الاثنين، 16 مارس 2015

الفساد الرياضي في مصر: سطوة المال والنفوذ السياسي




رؤساء الأندية – خاصةً الشعبية منها – معروفين عِند العامة أكثر من الوزراء والمحافظين، وهو ماجعل كرسي رئيس مجلس إدارة كل نادٍ مطمع لكل طامح في الشهرة أو متكالب عليها. وصول أصحاب السُلطة والثروة في الأغلب لا يعني بالضرورة تحقيق أفضل السياسات للنادي سواء كانت قرارات تُحسّن من وضعه أو ضخّ أموال تساهم في نمائه. منهم من اتخذ هذا المنصب بغرض الوجاهة والقبول الاجتماعي، ومنهم من اتخذه درع يُحتمى به من الملاحقة والمسائلة عن فساده المالي، ومنهم من جعله قنطرة للعبور إلى رأس النظام والتزلُّف عنده لتحقيق مطامع أكبر. في هذا الجزء نستعرض عدد من الحكايات لهؤلاء اللذين سخّروا الأندية العامة لمقاصدهم، سواء كانوا رؤساء أندية أو أعضاء في مجالس إداراتها أو حتى مُحبّين تداخلوا في المشهد بخزائنهم وقت إبرام الصفقات الكبرى ليتصدروا أخبار الصحف وشاشات التليفزيون، فيكتسبوا بعض من الصيت والشهرة عند عشاق هذا النادي أو ذاك.


الجذور

في البدء كانت السُلطة فقط، وبديهيًا أن يكونا الأهلي والزمالك الناديين الأكبر في مصر هما الأكثر عُرضة للوقوع في يد المهووسين بتعدد كراسي الحُكم والتحكُّم. فبعد أن رحل المؤسسان الإنجليزي والبلجيكي، انفرد الساسة بالناديين وجعلوهما أشبه بالوزارات والدوواين بدلًا من تعزيز فكرة الكيانات الرياضية المستقلة، وصار لكل ناد رئيس له منصب رسمي آخر، بل واثنين وثلاثة، فشهدت قائمة رؤساء الناديين (وزراء، ورؤساء وزراء، ورجال وأصهار الملك..)

في الأهلي تولى عبد الخالق ثروت رئاسة النادي لمدة 6 أعوام (1922- 1916)، وشغل في هذه المدة منصب وزير الحقانية في 4 حكومات متتالية لحسين رشدي، واختاره عدلي يكن وزيرًا للداخلية في حكومته عام 1921، قبل أن يُشكّل حكومته الأولى في العام التالي ويحتفظ لنفسه بمقعد وزارة الداخلية ويضيف إليه الخارجية بجانب كونه رئيساًً للوزراء. وعلى مايبدو أن الرجل قد استشعر زخم المسئولية في المناصب الثلاث الجديدة فقرر التنازل عن منصبه في النادي لجعفر والي، وزير الأوقاف في حكومته، والذي عُيّن وزيرًا للحربية في نفس الحكومة التي أعيد تشكيلها عام 1927 برئاسة عبدالخالق ثروت. ظلّ جعفر رئيسًا للنادي لمدة 22 عامًا إلى أن استُبدل بأحمد حسنين رئيس الديوان الملكي والزراع الأيمن للملك فاروق، الذي ترك منصبه شاغراً بعد وفاته عام 1946، ليأتي من بعده أحمد عبود ويأتي معه توغُّل المال ليزاحم السُلطة في عالم الرياضة، ولنا هُنا وقفة ونعود لعبود في فقرة لاحقة.


وكان الزمالك في عام 1923 على موعد مع الرجل الذي تولى رئاسته لأطول مدة في تاريخه، عندما دخله محمد حيدر، وزير الحربية في عهد فاروق، ولم يخرج منه إلا بالتزامن مع يوم استقالته من وزارة الحربية عام 1952، وخلال الثلاثين عاماً هذه استحدث منصب نائب رئيس النادي ليتولاه الأمير إسماعيل شيرين، زوج الأميرة فوزية شقيقة الملك.


طوال هذه الفترة كانت الرياضة المصرية تُمارس في نطاق ضيق يقتصر على الطبقة العُليا بعيداً عن العوام، وكانت هذه الأندية بمثابة مراكز التأهيل لأبناء هذه الطبقة التي احتكرت المشاركة في الأولمبياد كما لو كانت بعثات تعليم خارجية، فأهملت كرة القدم والألعاب الجماعية لصالح الألعاب الفردية كالفروسية والرماية وسلاح الشيش وغيرها، ولم تكن هناك بطولات رسمية لكرة القدم غير كأس مصر، قبل أن يظهر الدوري العام في 1948، وعرفت هذه الفترة بمسابقات تنشيطية تُلعب في سنة وتتوقف أخرى وهكذا، وكانت تتسم بالنفاق في مسمياتها لصالح الأسرة الحاكمة مثل كأس السلطان حسين وكأس الملك فؤاد ودرع الأمير عمر طوسون، وترتب على تدخل الساسة في الرياضة مواقف لا تُمحى من ذاكرة التاريخ مثل واقعة إيقاف لاعبي الأهلي من المشاركة في كأس مصر بسبب زيارتهم لفلسطين بمخالفة قرار اتحاد الكرة، قبل أن يعود الاتحاد ويعفو عنهم، وللعلم من اتخذ القرار هو رئيس الزمالك محمد حيدر الذي كان رئيس لاتحاد الكرة أيضًا ووزيرًا للحربية. وفي وقت لاحق حضر الملك مباراة في نهائي الكأس بين الأهلي والزمالك، وتغلّب الزمالك فيها على الأهلي، وعلى مايبدو أن أداء الفريق الأبيض حاز على إعجابه فأصدر أمراً بإلغاء اسم الزمالك الذي كان “المختلط” في هذا الوقت، واستبداله بـ”فاروق”.



ظهور المال، ”العسكر” في الصورة.

عام 1944، أقام النادي الأهلي حفل شاي تكريماً لكل من أحمد عبود باشا وعبد الحميد عبد الحق، بمناسبة تبرع عبود بثلاثة آلاف جنيه لإتمام إنشاء حمام السباحة بالنادي، وتقديراً لما قدمه الثاني للنادي والهيئات الرياضية الآخرى. ووقف رئيس النادي أحمد حسنين باشا – رئيس الديوان الملكي وقتذاك – وألقى كلمة استهلها بقوله: “إني بعد أن حنيت رأسي للراحل الكريم جعفر والي باشا (رئيس النادي سابقاً) أرفع رأسي بالشكر للرجلين الكريمين الأستاذ عبد الحميد عبد الحق وزير الشؤون الاجتماعية السابق وأحمد عبود باشا”. (1)

عبود الذي جمع ثروته بمساعدة الاحتلال البريطاني بتشييد منشئاته العسكرية في فلسطين بعد أن ارتبط بإبنة مدير الأشغال الهندسية بالجيش الإنجليزي، تولى رئاسة النادي خلفاً لحسنين لمدة 15 عاماً (1946-1961)، وطوال هذه الفترة كان عبود ينفق على النادي من جيبه الخاص رافضاً أي إعانة من الحكومة، وهو الذي بنى حمام السباحة من جيبه الخاص، وهدم مدرج الدرجة الثالثة القديم وبنى المدرج الحالي، ثم بنقوده ونفوذه اقتطع الجزء الكبير من نادي الفروسية ليطل النادي على كورنيش النيل. كل ذلك بالطبع ساهم في أن تتوالى فترات الرجل داخل النادي بالتزكية وبدون منافسة من أحد. وحدث ذات مرة أنه قد نقل صالح سليم بطائرته الخاصة من القاهرة إلى بورسعيد ليلحق بمباراة الأهلي مع المصري، وسبب ذلك أن سليم كان في كلية التجارة وعنده موعد مع امتحان في الساعة الواحدة ظهراً والمباراة في الثالثة عصراً ولن يلحق بالفريق الذي يعد أهم لاعبيه، فسخّر له سيارة تنقله من الجامعة للمطار وكان في انتظاره بطائرته الخاصة.(2)


أُبعد عبود عن رئاسة النادي بعد شهور من زيارة عبد الناصر ومعه ملك أفغانستان للنادي الأهلي في أكتوبر 1960، إذ صدرت قوانين يوليو الاشتراكية وتم تأميم أغلب ممتلكاته، وعُيّن صلاح الدسوقي (محافظ القاهرة وقتذاك والحارس الشخصي لجمال عبد الناصر في وقت سابق) رئيساً للاهلي بدلاً منه بقرار جمهوري، وظلّ دسوقي ثلاث سنوات إلى أن ابتعثه عبد الناصر للاتحاد السوفيتي، وعُيّن بدلاً منه الفريق عبد المحسن مرتجي قائد الجيش المصري في حرب اليمن، وبعد عامين من تولي مرتجي رئاسة الأهلي حدثت نكسة 67، فتمت محاكمته على أثرها بصفته قائد لجبهة سيناء، واقيل من عمله العسكري، وبالطبع اقيل من رئاسة الأهلي. قبل أن يعود مرة أخرى بعد وفاة عبد الناصر لوقوفه بجانب السادات في صراع مراكز القوى، وأعاده السادات للأهلي ليكون رئيسه لمدة ثمان سنوات من الفترة (1972-198).


وبعد رحيل حيدر عن الزمالك تولى المهمة مجلس إدارة مؤقت برئاسة المحامي محمود شوقي، أعقبه تعيين عبد الحميد الشواربي الذي كان يعد من أبرز مليونيرات عصره كما أحمد عبود. غير أنه بعد ثلاثة أشهر فقط، لم يقتنع بفكرة المركز الأدبي والوجاهة الاجتماعية كرئيس لنادي الزمالك، ولم يفرح طويلاً بالمقارنة بينه وبين عبود الجالس على مقعد رئاسة النادي الأهلي، فتقدم باستقالته معلناً أن رجال الأعمال لا يصلحون لإدارة الاندية لو أداروها بمنطق وفكر وحسابات رجال الأعمال. وعلى مايبدو أن الرجل لم تكن تعنيه مسألة الوجاهة، فهو رجل مال، اعتاد أن يتعامل بقواعد الحساب وقوانين المكسب والخسارة، فقد اكتشف الشواربي أن رئاسة الزمالك صفقة خاسرة بالنسبة له. (3)


وفي عام 1956 تولى عبد اللطيف أبو رجيلة، المعروف بـ”إمبراطور الأتوبيس”، رئاسة النادي بذات الطريقة التي دخل بها عبود الأهلي، حيث التبرعات السخية لبناء المنشآت والملاعب، يليها استحكام قبضة اليد على النادي، تبرّع أبو رجيلة ببناء ستاد الزمالك الحالي في ميت عقبة بعد أن كان النادي ثلاث غرف ومدرج خشبي صغير في المكان الذي به مسرح البالون حالياً، وتكفّل بنفقات الأندية الأجنبية التي كان يستجلبها لملاقاة الزمالك في ذلك الوقت، وشهد النادي في عصره تقدم ملحوظ، وحقق بطولة الدوري الأولى في تاريخه.
في الوقت ذاته أشارت أصابع الاتهام إليه في صفقات الأسلحة الفاسدة إبان حرب 48، حيث شنّ إحسان عبد القدوس سلسلة مقالات في روز اليوسف تحدث فيها عن عمولات ورشاوي السمسرة، وكان أبو رجيلة واحداً من هؤلاء.
ولإبعاد الشبهات والأقاويل عن نفسه، حاول الرجل بشتى الطرق أن يتقرب من القيادة السياسية والعسكرية في ذلك الوقت، فسخّر لهم أمواله الطائلة واسطول الأتوبيسات لنقل الجنود، غير أن ذلك لم يشفع له عندما صدرت قرارات التأميم، فهاجر إلى روما بعد أن صودرت أغلب ثروته.


استخلفت السُلطة أبو رجيلة بالمهندس حسن عامر شقيق عبد الحكيم عامر “وزير الحربية ورئيس اتحاد الكرة في ذلك الوقت”، والمعروفين بانتمائهما للزمالك لكونهما أبناء شقيقة حيدر باشا، والطريف أنهما اخذا مناصبه الثلاثة من بعده كرئيس لنادي الزمالك ولاتحاد الكرة ووزيراً للحربية.
تولى عامر رئاسة الزمالك في ظروف طبيعية عام 1962 غير أنه خرج من النادي في ظروف صعبة، بعدما تم اعتقاله عام 67 على خلفية النزاع الذي حدث بين شقيقه وعبد الناصر، وظلّ بالسجن قرابة خمسة أشهر، وخرج بعد وفاة أخيه بشهرين، ليجد خيري طلعت وزير الشباب والرياضة في هذا الوقت قد شكّل مجلس آخر برئاسة حلمي زامورا.


ومع تولي زامورا عرفت الأندية المصرية طريق “رئيس من أبناء النادي”، وشهدت فترة ما قبل الحرب وبعدها تولي عدد من اللاعبين رئاسة أنديتهم مثل صالح سليم وعبده صالح الوحش وكمال درويش وغيرهم، ربما يرجع ذلك إلى انشغال الساسة بالوضع المتخبّط في هذا الوقت  فتخلّوا عن فكرة رئاسة الأندية، غير أن سطوة المال لم تتأثر بشيء بل زادت مع سياسة الانفتاح ورأينا من كان يتولى رئاسة نادٍ أصلح له اثنين مثل عثمان أحمد عثمان صهر السادات في جَمعُه بين رئاسة المقاولون والإسماعيلي، وظلّ الوضع في حالة شد وجذب إلى أن جاء سيء الذِكر مبارك وعاد طُغيان المال والنفوذ السياسي مرة أخرى وبشدة، وصارت بعض الأندية ساحات صراع سياسي، وكثر عدد رؤسائها المنتسبين للحزب الوطني، وشهدت فترة التسعينات من القرن الماضي والعقد الأول من القرن الحالي حالات فساد مالي بالجُملة.



عدوان ثنائي في بورسعيد

لسنوات طويلة دارت منافسات شرسة بين السيد متولي وعبد الوهاب قوطة على رئاسة النادي المصري. الطريف أن قوطة ومتولي جمعت بينهما أنشطة تكاد تكون متشابهة، حيث عملا في مجالات الحديد والصلب والتوكيلات التجارية.

متولي الذي هاجر إلي ليبيا أوائل سبعينات القرن الماضي وهناك حقق نجاحاً في مجال العمل بالمقاولات وحقق ثروة مالية مع صعود أسعار النفط، عاد إلى بورسعيد عام 97 صاخباً كعادته، مستهلاً عودته بتبرع سخي للحزب الوطني الناشيء آنذاك. فاستقبله السادات في حدث كان محل تناول الصحف. (4)
في العام نفسه عيّنه محافظ بورسعيد عضواً في مجلس إدارة المصري. وفي العام التالي فاز بأول انتخابات يخوضها على مقعد رئيس مجلس الإدارة. واجه متولي عثرات أدت إلى إدانته بأحكام مجموعها السجن 168 عامًا، لكنه تجاوز السقوط محتميًا بجماهيرية النادي الذي يترأسه وعمل على تسوية مديونياته وتوفيق أوضاعه بالصلح.


لم يكتف متولي بهذا الكرسي ولكن اتخذه “كوبري” لنفوذ أكبر،  بعد أن ترشح لمجلس الشورى عام 92 وفاز بالمقعد.


وفي عام 95 فشل متولي في الوصول إلى مجلس الشعب بعد أن خاض معركة شرسة مع خصمه اللدود عبد الوهاب قوطة، بعدها بسنتين تم حلّ مجلس إدارة المصري وتعيين مجلس مؤقت برئاسة كامل أبو علي، بعدها أجريت انتخابات وفاز بها قوطة. ليُقصي متولي تماماً ويحصل على أغلى مقعدين بالمدينة الباسلة.
خرج متولي من مصر مرة أخرى في محاولة لمداواة جراحه، هذه المرة إلى ألبانيا، حيث عمل في مجال العقارات والمقاولات، وقيل أنه أسس نادياً في تيرانا وتولى رئاسته. (5)


ومع فتح باب الترشح للانتخابات البرلمانية عام 2000، عاد متولي مرة أخرى ليلاقي قوطة، وقد أخفق مرة أخرى بعد ان احتفظ قوطة بمقعده في مجلس الشعب.
وبعد 4 سنوات استطاع متولي ان يستعيد موقعه السابق في رئاسة النادي المصري، ويخوض معركة ثالثة أمام قوطة على مقعد البرلمان في 2005، لكنه لم يفز في هذه المرة أيضاً بعد أن أطاح محمد شردي نائب الوفد به وبقوطة، ليحوذ بالمقعد التشريعي.


انتهت هذه المعركة بوفاة سيد متولي والقبض على عبد الوهاب قوطة بعد أن صدرت ضده أحكام في 35 قضية شيكات بدون رصيد. (6)



وكالة من غير بواب.. كوكتيل فساد مالي

لم يكن قوطة وحده الذي تنتهي علاقته بكرة القدم بعد أن يُدان في قضايا شيكات بدون رصيد، فالأمر تكرر مع إيهاب طلعت عضو مجلس إدارة اتحاد الكرة الذي شغل المنصب بالتعيين في مجلس سمير زاهر. كان طلعت شديد السخاء في مجال كرة القدم، حتى شغل أهم منصب في اتحاد كرة القدم وهو المشرف العام على المنتخبات الوطنية، قبل هروبه إلى لندن لصدور أحكام قضائية ضده بالحبس 63 عامـاً عن 21 قضية شيك بدون رصيد لصالح مؤسسة الأهرام، وذلك لحصوله على مساحات إعلانية بقيمة 93 مليون جنيه ومنح المؤسسة شيكات تبين أنها بدون رصيد. كما أنه مدين بما قيمته 42 مليون جنيه من تعاملاته مع اتحاد الإذاعة والتليفزيون، بالإضافة إلى الحكم الصادر ضده بالحجز على أمواله وعلى أموال زوجته المطربة شيرين وجدي وأولاده لعدم سداده 229 مليون جنيه قيمة ضرائب متراكمة عليه. (7)

في سن مبكرة، لعب إيهاب طلعت في ناشئين النادي الأهلي، إلا أن حلمه أن يكون لاعبًا في الفريق الأول لم يتحقق. عاد الرجل إلي عالم كرة القدم بقوة، بعد أن تحوَّل في غضون سنوات من مجرد موظف يعمل مع رجل الأعمال أحمد المقدم، والذي أثار بظهوره ضجة عندما راح يدعم المنتخب الوطني لكرة القدم ويصرف عليه بعد تأهله لنهائيات كأس العالم 1990.
بدأ إيهاب طلعت استثماراته في الكرة باستغلالها إعلانياً بتعمده التمويل والصرف والإنفاق، وأصبح وجوده في مباراة أو رحلة خارجية للمنتخب الوطني فألاً حسنًا للجميع، إذ يعني المزيد من المكافآت والمكاسب المالية.
إلي جانب ذلك، ذاع صيته في علاقته مع النادي الأهلي بصفته النادي الذي ينتمي إليه ويشجعه، لدرجة أنه أشيع عنه تكفله بصفقات انتقال محمد ابوتريكة وبركات وعماد النحاس وحسن مصطفي وإسلام الشاطر إلي القلعة الحمراء.



وعلى ذِكر وكالة الأهرام والأهلي، فقد تمت إحالة حسن حمدي رئيس مجلسي إدارة الوكالة والنادي إلى النيابة للتحقيق معه بشان البلاغ المقدم ضده هو وإبراهيم نافع وآخرين، من أحمد السيد النجار (رئيس مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام ورئيس مجلس إدارة المؤسسة حاليًا) لارتكابهم العديد من المخالفات المالية التى ترتب عليها استيلائهم على أموال المؤسسة وتربحهم دون وجه حق من وظائفهم وإضرارهم العمدي بأموال المؤسسة. في عام 2011 أخلت سلطات التحقيق سبيل حسن حمدي بكفالة قدرها 2 مليون جنيه بعدما عجز عن تبرير تضخم ثروته التي بلغت 2 مليار و800 مليون جنيه، وتمت إعادة فتح القضية مرة أخرى في 24 مارس 2014 وتم حبسه 15 يوم على ذمة التحقيق، قبل أن يستأنف ويخرج بعد ثلاثة أيام. (8) (9)

وظهرت أقاويل منطقية في هذا الوقت خلاصتها أن عبد المجيد محمود (النائب العام السابق حينذاك) قد تدخل للإفراج عن حسن حمدي للصداقة التي تجمع بينهما، حيث أن عبد المجيد عضواً بإحدى اللجان الفنية للنادي الاهلي. وبالطبع كان لهذا مفعول السحر
لاحظ التاريخ في الخبرين

 في فوز محمود طاهر المدعوم من عبد المجيد في الانتخابات التي جرت بعدها بيوم واحد على مقعد رئاسة النادي، بعد أن تخلّى حمدي عن دعم إبراهيم المعلم لتفادي الحرج في وقوفه ضد عبد المجيد. 
ولم يبعد حمدي عن كرسي رئاسة النادي الذي ظل رئيسه لمدة اثنا عشر عاماً (2002-2014) سوى قرار المجلس القومي للرياضة الذي ينص على عدم تولي الشخص رئاسة النادي  أكثر من ثمان سنوات متتالية، وخلال هذه المدة اختلطت أموال النادي بأموال الوكالة وأموال حمدي الشخصية، والغريب أن الوكالة كانت ترعى النادي بما قيمته 260 مليون جنيه في الخمس سنوات، في الوقت الذي لا تربح من وراء هذا جنيه واحد، وربما لا تُحصّل ثمن الراعية حتى، حيث أن خسائرها كانت تزداد سنوياً وارتفعت مديونيتها للضرائب إلى أكثر من 6 مليارات جنيه.

وهناك سلسلة ضخمة من رجال الأعمال الذين ارتبطوا بالرياضة وتعرضوا لاتهامات بالجملة وطاردتهم الكثير من الأحكام القضائية. فعلى سبيل المثال، نجد أن يوسف حويلة رئيس نادي الاتحاد السكندري سابقاً دخل السجن بعد تورطه في قضية رشوة ضخمة عندما كان رئيساً لإحدي شركات الزيوت. كان حويلة قد أنفق مبالغ مالية كبيرة علي ناديه عندما تولى رئاسته بعدما أضاف له الاتحاد الكثير من النفوذ والقوة والعلاقات التي أتاحت له تكوين شبكة علاقات كبيرة أسهمت في توسيع أعماله. الأمر نفسه حدث مع أمين صندوقه شريف الحلو الذي دخل هو الآخر السجن وتم اعتقاله بتهمة الاتجار في العملة، بعدما حاول خلال الفترة التي دخل فيها مجلس إدارة الاتحاد السكندري أن يصرف ببذخ ويشارك في إتمام الصفقات لشراء لاعبين بمبالغ مالية ضخمة. (10)


وفي السويس لا يختلف مصطفي الرموزي كثيراً، فالرجل راح يستثمر أمواله في تجارة الأسمنت قبل أن يؤسس شركات لتداول الأوراق المالية في البورصة ليبدأ بعدها في دخول عالم الكرة. أنفق الرموزي ببذخ علي نجوم الزمالك ومدربيهم وأعضاء مجلس الإدارة ويمول صفقاته من دون حد أقصي. ووصل لمرحلة من السخاء بأن أهدى بعضهم مشروعات تجارية بالكامل ليتحول إلي نجم إعلامي ضخم.
تضخم الرموزي أكثر بعد رئاسته لنادي السويس وإنفاقه ملايين الجنيهات، ثم تطلع إلي دخول مجلس الشعب ليتخطي كل الخطوط خلال فترة وجيزة.
واستمر الأمر علي هذا المنوال، حتى أفاق الجميع علي صدمة قروضه البنكية بعد إلقاء القبض عليه وفشله في إقناع جهات التحقيق بمصدر ثروته. وفي أبريل 2007 قضت محكمة جنايات القاهرة عليه بالسجن المشدد 15 سنة وشقيقه مهنا الرموزي بالسجن المشدد 5 سنوات وإلزامهما برد مبلغ 210 ملايين جنيه وتغريمهما مبلغاً مساوياً لاتهامهما بالاستيلاء علي أموال من بنك مصر. (11)


كما أن رجل الأعمال تيسير الهواري أنفق بسخاء في عالم الكرة، ودفع بشقيقه حازم الهواري وشقيقته سحر في اتحاد الكرة، واهتم بالاستثمار في المجال الرياضي، لدرجة أنه أنشأ نادياً باسم شركته وهو المعادن، قبل أن يتحول إلي جولدي ويشتريه رجل الأعمال أحمد بهجت. غير أنه فجأة هرب بعد اتهامه بالاستيلاء علي ملايين الجنيهات من البنوك، لتصدر ضده أحكام بالحبس وصلت إلي 80 عاماً، قبل سقوطه في يد أجهزة الأمن ودخوله في دوامة تسوية مديونياته البالغة 480 مليون جنيه.


وبرز اسم محمد جنيدي الذي حاول أن يكون رئيسًا للنادي الأهلي أمام صالح سليم، فأنفق ببذخ ولم يرفض طلباً للاعبين، كما أنه كان ممولاً لصفقة انتقال علي ماهر لاعب الترسانة السابق إلي الأهلي. إلا أن مصيره في النهاية لم يكن أفضل حالاً من الذين سبقوه، حيث لاحقته الاتهامات بسبب القروض التي حصل عليها من البنوك وعجز عن سدادها ليواجه قدره في النهاية.



حرب منذ عشر سنوات في الزمالك، مازالت مستمرة

تجسد معنى صراع السُلطة والمال في عالم الرياضة على أكمل وجه فيما يحدث في الزمالك منذ عقد مضى بين رجل الحزب الوطني وأحد أبواقه مرتضى منصور ورجل المال والأعمال الملياردير ممدوح عباس الموظف الصغير بشركة النصر سابقاً وذو الثروة غامضة المصدر. حيث وصل مرتضى إلى مقعد رئيس النادي عام 2005، ليضفي له هذا الكرسي بريقاً إعلامياً و يعطي لأحباله الصوتية دَفعة تزيد من ضجيجه و”جعاره” المعتاد، غير أنه لا يعلم أحد كيف دخل مرتضى النادي الذي لم يكن على علاقة به مطلقاً، إلا أن الأسطورة تقول أن مرتضى كان عضواً بالأهلي قبل أن يطرده صالح سليم ويتعرّف على نور الدالي رئيس الزمالك فيعطيه عضوية النادي ويضعه على قائمته في انتخابات مجلس الإدارة، ولما خسر مرتضى في هذه الانتخابات توصّل إلى حيلة جعلته يلجأ إلى القضاء ويثبت أن فايز الزمر ومحمود معروف عضويّ مجلس الإدارة لا يحضرا اجتماعات المجلس وهو ما يسقط عنهما صفة العضوية، فدخل مكان أحدهما، وبدأ مشوار مرتضى مع النادي في عهد جلال إبراهيم عام 1994.

لكن مرتضى لم يهنأ برئاسته يومًا للنادي، فقبل نهاية عام من توليه المنصب تم حل المجلس من وزير الشباب والرياضة ممدوح البلتاجي لمخالفات إدارية، وعلى إثر ذلك تم تعيين مجلس مؤقت برئاسة مرسي عطا الله، وظهر ممدوح عباس أمين صندوق في هذا المجلس، وعاد مرتضى مرة أخرى بعد أشهر قليلة بحكم قضائي، وسرعان ماتم حبسه في قضية سبه لرئيس مجلس الدولة وإقالته من مجلس إدارة الزمالك بسبب واقعة الحذاء الشهيرة، وبدأ اسم ممدوح عباس يظهر من جديد لكن هذه المرة على مقعد رئيس النادي.
انتهت هذه المعركة بوصول كل منهم ثلاث مرات لرئاسة النادي والإطاحة بالآخر، والطريف أنه لم يحدث ولا مرة أن هزم أياً منهم الآخر في انتخابات رسمية. وكان الخاسر من هذه الحرب هو نادي الزمالك الذي لم يعرف المركز السادس في الدوري إلا على يد مرتضى ولم يعرف الإفلاس المالي وبيع نجوم الفريق إلا على يد عباس ولم يحدث له عقم البطولات إلا على يد الاثنين، حتى أن الأهلي صار منفرداً بالبطولات لمدة طويلة وصار ديربي القاهرة من طرف واحد، وصار الزمالك مدين لعباس بعشرات الملايين الذي لا يعلم أحد عن تفاصيلها شيء، لدرجة أنه طالب النادي بأكثر من 11 مليون جنيه منذ يومين فقط. (12)


قائمة رؤساء الأندية من رجال السياسة والمال الذين ارتبطت أسمائهم وحكاياتهم بالرياضة لا تنتهي، وتتضمن أسماء كثيرة في الماضي والحاضر من بينهم علوي الجزار (الزمالك) وعبد الرحمن لطفي (المصري) وعبد القادر أبو فريخة (طنطا) ويحي الكومي (الاسماعيلي) وكامل أبو علي (المصري) وحسن فريد (الترسانة) وكرم الكردي وطاهر القويري (الأوليمبي) وسميح ساويرس (الجونة) وماجد سامي (وادي دجلة) ومحمد فرج عامر (سموحة) وإبراهيم مجاهد (المنصورة) وعشرات غيرهم ممن استغلوا نفوذهم وأضرّوا بالرياضة المصرية بأفعالهم أو لمجرد تواجدهم المرهون بجمع الثروات والوصولية على حساب كفاءة المنظومة الرياضية. ولا أرى خاتمة أفضل من هذين المقطعين اللذين يمثلا فاجعة استغلال النفوذ والحصانة الأمنية، بطلهما “اللواء” إبراهيم مجاهد رئيس نادي المنصورة.
        
        

ــــــــــــــــــــــ
هوامش


(1) حسن المستكاوي، النادى الأهلى: قلعة للبطولة والوطنية، دار الشروق، 1997
(3) ياسر ثابت، قصة الثروة في مصر، دار ميريت، 2012، ص141
(4) ياسر ثابت، حروب كرة القدم، دار العين، 2010، ص252
(10) و(11) ياسر ثابت، قصة الثروة في مصر، دار ميريت، 2012، ص411