الأربعاء، 25 فبراير 2015

الفساد الرياضي في مصر: دوري الشركات


عايزين جمهور بفلوسكم والانتماء يطير، دوري شركات وبزنس وفلوس الشعب بتضيع

 ــــ 
عقيدة الفرسان ، ألتراس وايت نايتس.


قبل خمسة عشر عامًا، كان الدوري المصري الممتاز لكرة القدم يعج بالأندية العامة التي تمثل عدد من المحافظات والمناطق الجغرافية المختلفة مثل: المنصورة والترسانة وطنطا ودمياط والشرقية ومنتخب السويس وأسوان والأوليمبي والمنيا وجمهورية شبين، بالإضافة لأندية الشركات والهيئات التي لم تكن تمثل مضايقة أو تمارس هيمنة أوإهدار لتكافؤ الفرص مثل (غزل المحلة والمقاولون العرب والقناة والسكة الحديد)، وهو ماجعل لهذه الأندية شعبية وأنصار فتحولت لأندية جماهيرية أكثر من كونها أندية شركات بالمفهوم الحديث، بعد أن ظلت بالدوري لعشرين وثلاثين وأربعين عام، وسبق لبعضها الفوز ببطولة الدوري والكأس وتمثيل مصر في البطولات الإفريقية، ومنها من يمثل مدن كبيرة كالمحلة الذي يعتبر النادي الأول بمحافظة الغربية.
كان التنافس مبني على جماهيرية كل الفرق التي تستمد قواها من الحضور الضخم على ملعبها ومؤازرة عدد ليس بالقليل في مباريات خارج الديار، ولك أن تتخيل كم الحفاوة والاهتمام بمباريات القطبين مع نادٍ مثل المنصورة على ملعب الأخير فينقلب حديث الشارع الدقهلاوي في ذلك اليوم للإنشغال بهذا الحدث فقط وتتوقف ساعة الزمن بالمدينة عند موعد اللقاء.
كل هذا جعل المباريات حماسية ومثيرة، مما أدى إلى تصنيف البطولة المصرية كأهم البطولات المحلية في منطقة الشرق الأوسط والقارة السمراء، وكان اللعب في الأندية المصرية يمثل حلم للعديد من اللاعبين الأفارقة ليبرزوا قدراتهم ومهاراتهم فيعبروا إلى الإحتراف في الدوريات الأوروبية على نهج النيجيريين (امونيكي وجون اوتاكا).
ظل الوضع على هذا الحال حتى مع ظهور الأندية غير الجماهيرية في أواخر القرن الماضي مثل (مزارع دينا المملوك لشركة دينا للاستثمارات الزراعية، ونادي جولدي “المعادن سابقًا” المملوك لرجل الأعمال أحمد بهجت).
لعبت هذه الأندية موسمين أو ثلاثة، وسرعان ما انهارت لأنها كانت أندية استثمارية لم تحقق الغرض المطلوب في بيئة رياضية تهتم بكرة القدم باعتبارها لعبة شعبية أكثر من كونها صناعة، وواجهت صعوبات في الاستمرار ببطولة تُحسم مبارياتها من المدرجات بشكل كبير، فباتت في دوريات القسم الثالث والرابع حالياً، حالها حال مراكز الشباب.
ومع بداية القرن الجاري غزت أندية مؤسسات الدولة وشركات القطاع العام بطولة الدوري، لكن هذه المرة بصورة مختلفة تضمن لها البقاء بشكل دائم في المسابقة، بل تدفعها للمنافسة عليها. حيث اتبعت هذه الأندية من البداية حزمة سياسات جعلتها تعتمد على شراء لاعبي الأندية الكبرى بجانب أفضل لاعبي أندية الوسط، وتحفيزهم بمكافئات ضخمة عن كل فوز يحققوه، معتمدة في ذلك على مواردها المالية الكبرى التي قيل إنها في أندية البترول 5% من قيمة أرباح الشركات التابع لها كل فريق (1)، وتعاقدت مع أجهزة فنية من أكفأ المدربين المحليين مثل (مختار مختار والمغفور له طه بصري وحلمي طولان وطارق العشري وعبد العزيز عبد الشافي وغيرهم).
واستغلت إدارة النادي وظائف الشركة في حسم الصفقات الثقيلة بإغراء عشرات اللاعبين وتعيينهم في هيئاتها برواتب كبيرة دون أن يذهب أي منهم أو يعرف طبيعة العمل بالبترول. (2)
البداية كانت في موسم 2002/2003 مع صعود فريقيّ إنبي البترولي وحرس الحدود العسكري، اللذان احتلا المركزين الرابع والخامس على الترتيب في جدول المسابقة، وهي مراكز متقدمة جدًا بالنسبة لأندية صاعدة حديثًا، وفي هذا الموسم حقق النادي البترولي مفاجأة قلبت موازين البطولة في آخر مبارياتها بعد أن فاز على الأهلي بهدف دون رد، ليهدي درع البطولة للزمالك، ويستخرج شهادة ميلاد له بين الكبار.
وفي موسم 2004/2005 شهدت البطولة توافد ثلاث فرق تلعب بالممتاز لأول مرة في تاريخها، أسمنت أسيوط وأسمنت السويس المملوكتين للدولة آنذاك، بالإضافة لطلائع الجيش التابع للمؤسسة العسكرية.
وشهد موسم 2006/2007 صعود فريقين جديدين للبترول هما (بتروجيت وبترول أسيوط)، لتصبح الوزارة ممثلة بثلاثة أندية في البطولة. وفي الموسم الذي أعقبه صعد فريق الإنتاج الحربي لتصبح وزارة الدفاع ممثلة بثلاثة أندية هي الأخرى، وفي نفس الموسم تواجد نادي إتحاد الشرطة ممثلًا عن وزارة الداخلية قبل أن يلحق به فريق الداخلية بعد ثلاثة مواسم لتصبح للوزارة فريقين، وفي نفس الموسم أيضًا تواجد نادي المصرية للاتصالات ممثلًا عن الشركة التي تحمل نفس الإسم قبل أن يهبط إلى القسم الثاني ويصعد تليفونات بني سويف التابع لنفس الوزارة. وإزداد الوضع سوءًا بعودة الأندية الخاصة الاستثمارية مثل الجونة ووادي دجلة ومصر المقاصة وسموحة، بعد أن وجدوا ضالتهم بتوافر المناخ الذي يسمح لهم بالاستثمار في مجال كرة القدم وتحويله إلى صناعة ومصدر لتكوين الثروات.
كل أندية المؤسسات والشركات العامة صعدت بإهدار المال العام وعلى أكتاف الأندية الشعبية المهمشة من وزارة الشباب والرياضة والأحق بالدعم، وبتآمر من إتحاد كرة القدم والمجلس القومي للرياضة اللذان فتحا الباب ومهدا الطريق أمام أندية المؤسسات والشركات بالتحايل على لوائح الفيفا وقانون الرياضة المصري، فبالإضافة لما تحدثنا عنه في المقال السابق من مخالفة تلك الأندية للمادة 18 من لائحة الاتحاد الدولي، وبعد أن عرضنا الحل الأمثل لإصلاح هذا الوضع نسبيًا ألا وهو الدمج، إلا أنه تبين أن تمثيل كل هيئة بنادٍ واحد غير قانوني أيضًا، لأن القانون رقم 77 لسنة 75 بشأن مجالس إدارات أندية الشركات والهيئات الحكومية، ينص على ضرورة تعيين مجالس إدارات أنديتها بواسطة الوزير المختص وبتفويض من رئيس مجلس إدارة الشركة أو الهيئة التابع لها النادي (3)، وهو مايعد مخالفة أخرى لاشتراطات الفيفا التي تُلزم الاتحادات التابعة لها بوجوب انتخاب مجالس إدارات الأندية، غير أن الاتحاد المصري لايلتزم، مرضاة لأجهزة الدولة ومسئوليها.
فقد تحول الدوري العام إلى دوري شركات فعليًا، وفقد أهم مميزاته ألا وهي الجماهيرية والإثارة والاهتمام، بعد أن غابت الأندية الشعبية عن المسابقة وأصبحنا نرى المدرجات خاوية في أحيان كثيرة وبطلب من الأندية غير الجماهيرية التي تستفيد بالطبع من هذا الوضع (4). الدوري تحول إلى مسابقة تليفزيونية يتربّح منها الرعاة والقنوات المحتكرة وزملائهم من الإعلاميين، كل هذا تحت سمع وبصر وبمباركة إتحاد الكرة الذي لايعنيه من الأمر سوى نسبة الـ15% من قيمة البث وحقوق رعايته التي تؤول إلى الشركة الراعية للبطولة دائماً، ولا يهم أعضاؤه بالطبع أن الأندية الشعبية الباقية بالبطولة تناقصت إلى 6 فرق فقط، هي الأهلي والزمالك والإسماعيلي والمصري والاتحاد ودمنهور، ولا يضمن منها البقاء سوى القطبين، وتصارع البقية على البقاء فقط في كل موسم، في ظل الأزمة المالية التي تضربهم منذ سنوات.
على الجانب الآخر، ففي القسم الثاني تتصارع الأندية “الشهيدة” للعودة إلى البطولة منذ سنوات بلا جدوى، حتى الذي يحقق المعجزة ويصعد منها كغزل المحلة، لا يستطيع البقاء لموسم آخر ويتضح موقفه بالهبوط بعد مرور عدة أسابيع من إنطلاق المسابقة.
السبب في ذلك يرجع إلى فقدان الأندية الشعبية مقومات خوض الصراع، فهي كانت تعيش على موارد محدودة مثل (تذاكر المباريات، وحقوق الرعاية، والبث التليفزيوني)، بالكاد تغطي نفقات هذه الأندية على مدار الموسم. وبالطبع تفقد هذه الأندية مصادر الدعم المالي بهبوطها للقسم التاني، وفي ظل تجاهل الوزارة والدولة لها – اللهم إلا ببضعة آلاف من عام لآخر – صارت في دوامة أبدية ومشاكل لا تنتهي إن لم تزداد وتتفاقم.
حتى القسم الثاني بمجموعاته السبع لم يخل من أندية الشركات، وأنا على المستوى الشخصي لي تجربة واحتكاك مباشر بتلك الأندية وعلى معرفة طفيفة بأحوالها السيئة رغم وفرة مواردها وامتلاكها لملاعب جيدة إلى حد ما. كنت لاعبًا بقطاع الناشئين بأندية دمياط والمنصورة في وقت سابق، وكنا نلتقي بأندية يسبقها كلمة “كهرباء، غزل، مياه، سماد..” وهي تقريباً لها فرع في كل محافظة على مستوى الجمهورية، أو للدقة في كل بلد بها فرع للشركة وإن كانت عدة أندية داخل المحافظة الواحدة. وهذه أمثلة من مجموعة بحري والقناة فقط من عشرات الأندية التي تمتلكها هذه الشركات على مستوى الجمهورية.
كهرباء طلخا، كهرباء الاسماعيلية، كهرباء دمياط، كهرباء دمنهور، سماد طلخا، سماد أبوقير، سماد السويس، غزل السويس، غزل المحلة، غزل شبين، غزل المنصورة، غزل دمياط، غزل كفر الدوار، مياه البحيرة، مياه الدقهلية، مياه شربين.
وما خُفي في مجموعات القاهرة والصعيد كان أعظم، وأذكر أن الصعيد به أندية عدة تتبع شركات السكر لطبيعة تواجد هذه الصناعات هناك، وهذه الشركات لها أندية مثل (سكر الحوامدية، سكر أرمنت، سكر أبو قرقاص، سكر إدفو، سكر نجع حمادي).
الشيء الذي أعرفه هو أن هذه الشركات لا تحقق أرباحاً في عملها الأصلي وتعاني من مشكلات في التشغيل وسداد أجور العمال ويرجع كل ذلك إلى أزمات مالية في الأصل، وما لا أفهمه هو كيف في الوقت نفسه تُبدد وتهدر كل هذا المال على أندية لا تحقق شيء لها هي الأخرى؟! ولماذا الإصرار على عدة أندية، لن أقول إلغاء تمامًا، ولكن لماذا لا تكتفي كل شركة ومؤسسة بفريق واحد على مستوى الجمهورية؟! بالطبع هذا مدخل لسرقة أموال الشعب، والغريب أنه يحدث علانيةً وجهراً أمام أعين الأجهزة الرقابية.
ولعل ماحدث في شركة بتروسبورت بالشهر الماضي يوضّح جانب من الحال الذي بات عليه عمال الشركة، حيث احتجز العاملين بالشركة رئيس مجلس الإدارة ياسر المغربي داخل أسوارها وأغلقوا كافة الأبواب وظلوا على هذا الوضع مطالبين وزير البترول بفصل رئيس مجلس الإدارة وتحويله للتحقيق بعد أن ساءت أوضاعهم المادية وتدهورت أحوالهم، ولم يفلته من قبضتهم سوى أفراد الشرطة واستجابة وزير البترول لمطلبهم (5).
كل هذا في الوقت الذي تمارس فيه الشركة سياسة التوسع في نشر أفرعها من أندية ومنتجعات رياضية كاملة على مستوى الجمهورية، تقدر تكلفتها بمئات الملايين من الجنيهات، منها ستاد بتروسبورت لنادي إنبي فقط بتكلفة 300 مليون جنيه (6) (7).
لمواجهة تغوُّل الأندية اللا جماهيرية، تم تأسيس عدة روابط في أزمنة مختلفة من جانب رؤساء الأندية الشعبية من القسمين الأول والثاني، وعقدت أولى مؤتمراتها في أكتوبر 2008 بأحد فنادق القاهرة بدعوة من حسن فريد، رئيس نادي الترسانة وقت ذاك، وبعد أن اتفقوا على مطالب بعينها، أقنعهم الرجل بخوض انتخابات إتحاد الكرة وتحقيقها حال فوزه(8). ترتب على الأمر هلع سمير زاهر رئيس الاتحاد الكرة في هذا الوقت وصار يعقد اتفاقات سرية بين عدد من رؤساء الأندية في الرابطة وجعلهم يطالبوا (فريد) بالعدول عن قرار خوض الانتخابات بعد أن وعدهم بزيادة مخصصاتهم المالية ودعمهم في الفترة المقبلة، أدى هذا إلى إنشقاق في الرابطة وانسحاب رؤساء أندية طنطا والمنصورة والأوليمبي والشرقية والحامول، وبالطبع خمدت أولى المحاولات.
تكررت اللقاءات في أعوام 2011 بالشرقية، و2013 بالمنوفية، وحدثت اجتماعات ودارت نقاشات واسعة لم تسفر عن شيء سوى قرارات ملأت عناوين الصحف، قبل أن تصبح هي والعدم سواء، لأن اتحاد الكرة لا يعترف باللجنة من الأساس ولا يرى نتائج اجتماعتها مُلزمة عليه.
بائت جميع المحاولات بالفشل في وقف هذا المد، والسبب أن رؤساء الأندية الشعبية هؤلاء غير جادين في اتخاذ مواقف حاسمة من شأنها تجبر اتحاد الكرة أو الدولة متمثلة في وزارة الرياضة، على تطبيق اللوائح والقوانين والعمل على توجيه الدعم للأندية العامة والشعبية، لأن هؤلاء ليسوا سوى واجهات صنعتهم الدولة كخدمٍ لها، وهذا ما سنفرد له المساحة الأكبر في مقال آخر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش 


(1) ياسرثابث، قصة الثروة في مصر، دار ميريت، 2012، ص418
(2) لجنة الصناعة بـ”الشعب” يشنون هجوماً على وزارة البترول بسبب انتشار الفساد
(3) PDF لائحة النظام الأساسي للأندية الرياضية، الموقع الرسمي لوزارة الشباب والرياضة
(4) خمسة أندية تطلب اللعب دون جمهور
(5) وقف رئيس “بتروسبورت” عن العمل بعد تظاهر العمال ضده
(6) الموقع الرسمي لشركة بتروسبورت، طالع “مشاريعنا”
(7) ارتباك فى أندية «البترول».. ومخاوف من تجميد النشاط الكروى بعد رحيل «فهمى»
(8) اجتماع طارئ للأندية الجماهيرية غداً بطنطا لتأييد حسن فريد في رئاسة الجبلاية

الثلاثاء، 17 فبراير 2015

الفساد الرياضي في مصر: الأندية العسكرية‎



في أغلب دوريات كرة القدم العالمية، إن لم يكن في جميعها باستثناء قليل من دول الشرق الأوسط وشرق آسيا، لا توجد أندية باسم الجيش أو مؤسسات الدولة. الملاحَظ في الدول المستثناة أنها تلك التي يكون فيها الجيش على رأس السلطة التنفيذية ومهيمن على السلطتين التشريعية والقضائية، كمصر والعراق وسوريا وتايلاند على سبيل المثال، فتتوغل نفوذه وسطوته إلى ماهو أبعد من الحرب والأمن والسياسة، لتصل إلى الصناعة وشركات البناء والتشييد والرياضة..الخ، ليبسط أذرعه على البلد في كل المجالات ويحكم قبضته حتى يصبح دولة بداخل الدولة، إن لم يكن فوقها.


لن تجد مايسمى بـ Royal Navy FC “نادي البحرية الانجليزي لكرة القدم” في البريمرليج الإنجليزي، ولا Spanish Army SC “نادي الجيش الأسباني للألعاب الرياضية” في الليجا الأسبانية، ولن تجد أندية باسم التاج الملكي في كلا البلدين. ببساطة، لأن الجيش هناك من المفترض غرضه الحماية، فلا يلعب أدوار أخرى ليست من اختصاصاته. حتى لو وجدت أندية عسكرية في هذه البلدان، فهي أندية نشاط لا مزاولة وامتهان وتنافسية واستثمار، أندية إعداد بدني وقوى جسمانية للأفراد العسكريين تنمي القدرات على الرماية، العدو، الهبوط بالمظلات، التجديف، الفروسية وليست أندية حصد كؤوس وبطولات، أندية اجتماعية لأسر وعائلات الأفراد. حتى على مستوى المسابقات، فالأندية العسكرية لها مجلس دولي خاص CISM ليس له علاقة بالاتحادات الدولية مثل الاتحاد الدولي لكرة القدم “FIFA”، يشرف على الألعاب العسكرية التي تكون في الأغلب مسابقات صداقة هدفها السلام وخلق فرصة لالتقاء الجنود في ميدان آخر غير ميدان المعركة، كما يعرّف الموقع الرسمي للمجلس هدفه تحت شعار Friendship through Sport “الصداقة من خلال الرياضة”. (1)


أما ما يحدث في مصر فلا يمت للرياضة العسكرية بِصلة. لا هي أندية عسكرية بمفهومها الواضح، ولا هي أندية نشاط للعسكريين، ولا هي نواة للمنتخبات الوطنية العسكرية. غير أنها تنتهك القوانين واللوائح في أكثر من موضع بكل فجاجة وتتحايل عليهما في مواضع أخرى بشكل غير أخلاقي، وأحيانًا غير آدمي، وهذا ماسنتطرق إليه في هذا الجزء من الفساد الرياضي في مصر.


“ثلاثمائة وعشرة منشأة رياضية مطابقة للمواصفات الدولية تمتلكها المؤسسة العسكرية المصرية..” يقول العقيد مؤنس أبو عوف – نائب رئيس جهاز الرياضة العسكري – للبديل في حواره معها. (2)


ليس هناك حصر كامل للمنشئات التي تحدث عنها العقيد مؤنس، ولا يوجد أي تفاصيل بشأنها أو الإشارة لجهاز الرياضة العسكري حتى على موقع القوات المسلحة، ولا يوجد موقع مستقل لجهاز الرياضة بالطبع. وبالتالي سنتحدث عما يلزمنا وما يعرفه أي متابع للدوري المصري من ملاعب كرة قدم فقط للجيش. بشكل مؤكد يمتلك الجيش ثمانية ملاعب على الأقل، وهي كالتالي:



  • ستاد برج العرب/الجيش المصري “دولي أوليمبي” سعة 86 ألف متفرج.
  • ستاد المكس بالاسكندرية “ملعب حرس الحدود” سعة 25 ألف متفرج.
  • ستاد السلام بمدينة السلام “ملعب الانتاج الحربي” 30 ألف متفرج.
  • ستاد الكلية الحربية بمصر الجديدة “ملعب طلائع الجيش” 29 ألف متفرج.
  • ستاد السويس الجديد بالسويس”مبارك العسكري سابقًا” 45 ألف متفرج.
  • ستاد عجرود بالسويس الذي خُصّص لمباريات النادي المصري الموسم السابق وسعة مدرجاته غير معروفة لكنه يشبه في حجمه وتصميمه ملاعب المنصورة ودمنهور مايعني ان سعة مدرجاته تُقدّر بـ15 ألف متفرج.
  • ستاد جهاز الرياضة العسكري بمنشية البكري سعة 29 ألف متفرج.
  • ستاد الدفاع الجوي (الذي شهد مجزرة جماهير نادي الزمالك الأخيرة) بالتجمع الخامس 30 ألف متفرج.


في الوقت الذي لا تمتلك فيه الأندية العامة والجماهيرية ملعبًا واحداً للتباري عليه وخوض المنافسات الرسمية، فالأهلي النادي الأكبر في مصر لا يمتلك شبرًا في أرض الجزيرة، ويتخذها بغرض الانتفاع مقابل الايجار من محافظة القاهرة منذ أربعينيات القرن المنصرم. غير أن الملعب الرئيسي للفريق الأول، ملعب مختار التتش، ليس به إلا مدرج واحد، ويستخدمه الفريق في التدريبات والمباريات الودية المحلية فقط، ولا يجوز اللعب عليه رسميًا. ومن حين لآخر تتصاعد الأزمات بين المحافظة والنادي بسبب الديون المتراكمة التي بلغت 17 مليون جنيه، مادفع المحافظة للحجز على أموال النادي بجميع البنوك، نهاية العام الماضي(3). كانت المحافظة قد اكتشفت في عام 2008 أن العقد المبرم بينها وبين النادي عام 1949 قد انتهى عام 1965، ولم يدفع الأهلي مليماً من وقتها للدولة، فتمت تسوية الأمر بتشكيل لجنة لتقدير قطعة الأرض التي بلغت مساحتها 18.5 فدان وانتهت بأن يدفع النادي الإيجار المتأخر منذ عام 1965 بقيمة جنيه واحد عن المتر الواحد في العام، وإبرام عقد جديد يرفع قيمة المتر الواحد إلى 10 جنيهات في العام، باتفاق يمتد إلى سنة 2018.


الوضع لا يختلف كثيرًا عند ثاني قطبي الرياضة المصرية، نادي الزمالك. على الرغم من كونه يمتلك جزءًا كبيرًا من مساحة أرض ميت عقبة تقدر بثلثي المساحة، إلا أن الجزء الذي يقع به ملعب حلمي زامورا مازال يتبع أوقاف الدولة وينتفع به الزمالك مقابل الايجار، وهو الجزء الذي أثير الجدل حول ملكيته وإقامة مول تجاري عليه في الآونة الأخيرة. وبغض النظر عن المِلكية، فالملعب نفسه لا يصلح للاستخدام الآدمي خاصةً وأن مدرجاته آيلة للسقوط، وقد سبق وأن سقط جزء منها في مباراة الفريق أمام نادي دوكلابراج التشيكي عام 1974 وتسبب ذلك في وفاة 48 مشجع، ومن وقتها والفريق ممنوع من اللعب عليه رسميًا ولا يؤدي إلا التدريبات والمباريات الودية المحلية أيضًا كغريمه التقليدي. فضلًا عن عدم صلاحية بناء المدرجات مرة أخرى لكون الملعب في وسط منطقة سكنية كثيفة، وهو ما يتنافى مع اشتراطات الفيفا الجديدة في الملاعب ذات المدرجات، بوجوب توافر مساحات حولها تتحمل الاقبال الجماهيري واماكن لوقوف السيارات وشوارع رئيسية، وطبيعة المنطقة ومساحتها لا يسمحان بذلك، مايعني ان ملعب زامورا سيظل ملعب فرعي للأبد، حاله حال ملاعب الناشئين.


يظل الفريقين الاكبر في مصر بلا ملعب رسمي، ويخوضا مبارياتهما الرسمية على ملاعب ستاد القاهرة والدفاع الجوي.


الأمر أسوأ مع أندية المحافظات والاقاليم، فأندية الإسماعيلي والمصري والاتحاد والمنصورة ودمنهور ودمياط ومنتخب السويس والشرقية وغيرها من الأندية الشعبية “المظلومة”، ليست لديهم ملاعب رسمية، إنما هي ملاعب الدولة التي تتبع مديريات الشباب والرياضة بالمحافظات، وتؤجرها تلك الأندية بنظام المباراة والتمرينة أو السنة، والحقيقة أن أغلبهم يلعب مجاناً عليها بنظام الإسناد كما هو الحال مع الاسماعيلي مثلاً. لكن سيأتي الوقت الذي ستقول لهم الدولة “اخرجوا من داري” لأسباب عدة منها الهدم أو إعادة التخصيص لأغراض أخرى أو لرغبة مجالس إدارات تلك الستادات في الانتفاع بالملاعب لفرقهم الموجودة بالفعل، حيث ان كل ستاد يكون به مركز شباب لا علاقة له بتلك الأندية. ومن يعلم، ربما تدخل هذه الملاعب في سوق خصخصة الدولة مثل مصانع وشركات القطاع العام.


وهنا نطرح تساؤلات مشروعة..

من الأحقّ بهذه الملاعب التي بُنِيت من أموال الشعب؟ أندية سكان الفضاء، أم أندية الشعب؟!
الأندية التي ليس لها جماهير غير هؤلاء المجندين الذين يرتدون ملابس ملونة كالمهرجين وزعتها عليهم وحداتهم العسكرية قبل شحنهم في سياراتها ليشجعون فريق لا يعرفون اسم أي فرد واحد من لاعبيه، أم الأندية التي يشجعها هؤلاء المجندين بصدق – حتى وهم في أوقات خدمتهم – ومعهم جموع الشعب المحب لكرة القدم؟!من الأوْلى؟؟ الأندية التي مرّ على تأسيسها قرن من الزمان مثل الأهلي والزمالك والاتحاد وبُنيت على أكتاف محبيها وعانت الصعاب ومازالت، أم تلك التي لم نسمع عنها قبل عقد ونيف بعد أن صعدت “بشكل مشبوه” على أنقاض أندية عريقة تحارب في القسم الثاني بكل شرف للعودة مرة أخرى لمكانها الطبيعي؟!

سيقول قائل أن الجيش يفتح ملاعبه تلك للأندية الشعبية ويرحب بها في أي وقت، وأقول له أن هذا محض كذب وتضليل. فالأندية في 2013 كانت تؤجر هذه الملاعب بمبالغ أقلّها 40 ألف جنيه للمباراة الواحدة “باعتبار أنها بدون جمهور” يتحملها الفريق المستضيف، وهو ما دفع كمال درويش رئيس الزمالك السابق ورئيس لجنة الأندية وقتذاك، إلى مخاطبة الجهات الأمنية للموافقة على إقامة مباريات كل نادٍ في ملعب المحافظة التابع لها، توفيراً للنفقات في ظل الأزمات المالية التي تضرب كل الأندية الشعبية. (4) من جانبها اشترطت الجهات الأمنية انطلاق مسابقة الدوري بإقامة كل مباريات البطولة على 5 ملاعب فقط، كلها من أصل الثمانية المملوكة للقوات المسلحة، في محاولة لتشغيل ملاعب الجيش المهجورة التي لم تشهد سوى مباريات معدودة من قبل، فستاد السويس الجديد لم تقم عليه مباريات سوى اثنتين أو ثلاثة عندما استضافت مصر كأس العالم للناشئين 2009 وهو مغلق من وقتها، وستاد برج العرب لم تُلعَب عليه سوى مباريات قليلة للمنتخب لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة، ولا تقام عليه مباراة أندية إلا في ظروف طارئة.


للجيش ثلاثة أندية، ناديين بالدوري الممتاز وهما طلائع الجيش وحرس الحدود، ونادٍ بالقسم الثاني هبط في العام الماضي هو الانتاج الحربي. ورغم أن الفقرة الثانية من المادة 18 في لائحة النظام الأساسي للاتحاد الدولي لتنظيم المسابقات تنُص على عدم احقية اي مؤسسة في امتلاك اكثر من نادٍ في دوري واحد (5)، إلا ان اتحاد الكرة يتغاضى عن تطبيقها مرضاةً لأجهزة الدولة التي لديها ناديين وأكثر كالبترول والشرطة والجيش في الدوري الممتاز، وفي القسم الثاني الاتصالات والكهرباء والمياه وشركات السماد والغزل وسكك حديد مصر.. وهو ما عطّل اصدار قانون الرياضة الجديد اكثر من مرة، لان مصير تلك الأندية سيكون الدمج في أفضل الأحوال إن لم يكن الإلغاء. وهذا لا يرضي السادة المسئولين بالطبع، الذين يجدون في صعود هذه الأندية وتحقيقها بطولات وفوزها في كل مباراة مصدر فخر واعتزاز ودليل على الكفاءة والمهنية من جانب، ومصدر للثراء وإهدار المال العام وعقد الصفقات الجانبية واللعب بالأرقام من جانب آخر، والدفاتر دفاترهم.


يبرر العقيد مؤنس تحايل جهاز الرياضة العسكري بالاشتراك مع اتحاد الكرة على لوائح الاتحاد الدولي ولجنة المسابقات في هذه المادة، بأن نادي حرس الحدود ليس نادي عسكري لكنه مدني، وهذا تصريح مثير للضحك والغثيان في آن واحد. نادي “حرس الحدود” ليس نادي “عسكري”، وتستهل الجريدة موضوعها بهذا التصريح مبتدءًا بـ “مفاجأة”، نعم مفاجأة وليست “كذبة”.


يقول العقيد مؤنس في تفاصيل الخبر: “نادي حرس الحدود مدني خالص ولا يتبع القوات المسلحة، وتم إنشاؤه عام 34 تحت اسم «غفر السواحل»، من خلال الموظفين المدنيين والأجانب التابعين لغفر السواحل، والمسماة بحرس الحدود حالياً، وبالتالي لا يوجد مشكلة مطلقًا”. (6)


انا لا أعلم ما الذي يقصده بـ”وبالتالي لا يوجد مشكلة مطلقًا” لكني أجد مشاكل في هذا التصريح، وأجد كذب وتضليل فجّ. والحقيقة هي أن نادي حرس الحدود يتبع القوات المسلحة بشكل مباشر، وشأنه شأن الناديين الآخرين، مجلس إدارته عسكر معينين برئاسة لواء أركان حرب معين هو الآخر من جانب وزير الدفاع (7)، كما ان شعار النادي هو شعار قوات حرس الحدود، والحديث عن أن النادي مدني لأنه كان يسمى قديمًا باسم “خفر السواحل” مضلل، لأن الاسم لا علاقة له بصفة وسند وملكية النادي أولاً، ولأن خفر السواحل تعني حرس الحدود ومازالت قوات حرس الحدود البحرية تُعرف بهذا الاسم ثانيًا.


أرى أن كذبة العقيد مؤنس بها استخفاف بالعقول وغير متناسقة وليست منطقية حتى تكون مقنعة للاتحاد الدولي، ولا تفي بغرض تسكين الصحافة والرأي العام، حتى لو لم يكن اتحاد الفساد يحتاج لها.


في فقرة سابقة تحدثنا عن شحن المجندين بالآلاف وإفراغهم بالمدرجات لتشجيع لاعبي الأندية العسكرية، لكن الانتهاكات تتعدى ذلك، فالأندية العسكرية تستغل مبدأ “الخدمة الوطنية” وتخطف لاعبي الأندية الأخرى حتى لو اخذوا تأجيل من التجنيد في وقت سابق. والأمثلة في ذلك لا تُعد ولا تُحصى، وهنا نذكر بعض من اللاعبين الذين تعرضوا للإجبار على اللعب لأندية عسكرية، والذين انتهى مستقبلهم الكروي في الاحتراف، والذين وجدوا ظهرًا لهم متمثلًا في الحماية بالأندية الكبرى وجماهيرها او مسئولين بارزين بالدولة، فهربوا من الجحيم في آخر اللحظات.


منذ سبعة أعوام بزغ نجم لاعب نادي الزمالك الحالي ولاعب المقاصة آنذاك أيمن حفني، وكان محط أنظار جماهير فريقي القمة ومحل اهتمام مسئولي الصفقات في الناديين بشغف، وبدأ الشجار عليه والتفاوض مع فريقه لشراءه. إلا أن نادي طلائع الجيش كان له رأي آخر، فقد استغل مسئوليه عدم تأدية حفني للخدمة العسكرية بعدما أوقفته شرطة مطار القاهرة عندما كان مع بعثة المنتخب الوطني في اتجاههم للعب مبارة ودية مع قطر، منعوه من السفر وتمت احالته للشرطة العسكرية، وانتهى به الحال معاراً بلا مقابل من فريق المقاصة لفريق طلائع الجيش، ليقضي فترة تجنيده لاعباً.


الأمر ذاته تكرر مع نجم منتخب مصر عبد الستار صبري، فبعد أن عاد في 2004 من رحلة احتراف ناجحة مع عدد من الأندية الاوروبية أشهرها بنفيكا البرتغالي، وما لبس أن مضى عقده للتوّ مع انبي الصاعد حديثًا للدوري الممتاز، حتى تفاجيء بأنه مطلوب لآداء الخدمة العسكرية، وانتهى به الحال لاعباً في صفوف طلائع الجيش أيضاً.


شيكابالا هو اللاعب الأشهر مع المشاكل التي تتعلق بالتجنيد، اللاعب الذي احترف وعمره 17 ربيعاً في باوك اليوناني، هبط إلى مصر لينهي اجراءات انتقاله لايندهوفن الهولندي، وتفاجأ أنه مطلوب لتأدية الخدمة العسكرية أيضاً، ما دفعه إلى الهرب والاختفاء داخل مصر بعد أن علم أنه سيلاقي مصير اللعب لطلائع الجيش وستنتهي موهبته وينطفأ نجمه، وسارع مسئولي نادي الزمالك للحفاظ على جوهرتهم السمراء حتى انتهت مشكلته بحل يرضي الطرفين، ألا يخرج شيكابالا من مصر وفي المقابل يلعب للزمالك.


لم تنتهي مشكلة الفهد الأسمر مع التجنيد عند هذا الحد، ففي سبتمبر 2013 وأثناء عودة فريق الزمالك من الغردقة بعد أن لعبوا مباراة على ملعب الجونة، تشاجر شيكابالا مع أحد الأشخاص في المطار، ليتضح بعد ذلك أن هذا الشخص ضابط بالقوات المسلحة، وهُنا تم إجباره بالتنازل عن البلاغ الذي قدمه منعًا لمعاودة مشكلة التجنيد، لينتهي الموضوع بالتصالح.


وعلى مايبدو ان المسئولين بإدارة التجنيد والتعبئة بالجيش المصري مُصرّون على رؤية اللاعب من حين لآخر وأن “يردوا له القلم عشرة”، فقد أوقفوه في مطار برج العرب للمرة الثالثة في العام الماضي وهو في اتجاهه للبرتغال مع ناديه الجديد سبورتينج لشبونة، بعد أن انتهى من لقاء ودي جمع فريقه مع الاتحاد السكندري في الاحتفال بمئوية الأخير. وأصرّوا على عدم مغادرة اللاعب واصطحبته الشرطة العسكرية، لتعود بعثة الفريق البرتغالي ناقصة فرد، وتتأجج الخلافات بينه وبين النادي من وقتها للآن.


مسلسل اللاعبين وأزمة التجنيد له باع طويل لا ينتهي، لعب أدواره نجوم عدة ولهم حكايات تعرضوا فيها لمضايقات ومصائر مختلفة، من محترفين مثل محمد زيدان وعمرو زكي ومحمد صلاح إلى لاعبين محليين مازال بعضهم “ينتظر الفرج” في أزمته مثل علاء علي ومحمد ماجد أونوش لاعبا نادي سموحة الذين استُدعوا للتجنيد – وعلى مايبدو انهم سيقيدوا في فريق طلائع الجيش مثل سابقيهم – منذ أيام قليلة ومازالت إدارة النادي تتفاوض مع مسئولي وزارة الدفاع لعودتهم، ومازال حلمي طولان مدرب الفريق يناشد وزير الدفاع بإنهاء مشكلتهم، بعد ان وصف مسئولي الوزارة بالمتعنتين. (8)


تصريح طولان بأن ما يحدث مع لاعبيه لم يكن لو كانوا في أندية الأهلي والزمالك صحيح وأنا اتفق معه، فهذه الحالة لم تحدث مع الأهلي والزمالك من قبل، وفي المقابل حدثت، تقريبًا، مع كل أندية مصر، وتفسير ذلك يعود لأن الناديين الكبيريين لهم جماهير لن تصمت إزاء “خطف” لاعبيها، كما أن الرأي العام والصحافة والإعلام لا يستطيعوا تجاهل هذا الأمر إن حدث مع نادٍ يشجعه ملايين ويهتمون لأمره.


الخلاصة أن الجيش يستطيع أن يخطف أي لاعب في مصر بورقة التجنيد، مستغلًا معدل أعمار اللاعبين الذي يكون في الأغلب ما بين 18 إلى 30 عام، وهي السن القانونية للتجنيد.


وإليكم شهادة اللاعب عمرو عثمان “لاعب فريق المنيا السابق وطلائع الجيش الحالي” من صفحته الشخصية على فيس بوك، يروي فيها ماحدث معه بشأن رغبته في اللعب للنادي الاسماعيلي، وكيف ردت الشرطة العسكرية على ذلك، وإلى أين انتهى به الحال..










لا يقتصر تحايل جهاز الرياضة العسكري على لوائح الاتحاد الدولي أو استغلال المجندين سواء للتشجيع أو اللعب لأنديتها فقط، بل ان الأمر يمتد إلى المنتخب العسكري لكرة القدم أيضاً.

فالمسابقات العسكرية التي تحدثنا عنها في المقدمة، تُقام بهدف نشر السلام بين الجيوش في مواقع أفضل من ساحات الحرب والتقاء المجندين في حالات السِلم لا الخصام، ولا تهدف مُطلقًا للتنافسية ولا الجماهيرية ولا أي شيء آخر سوى السلام ونشر روح الوِد لا العداء.


لكن الجيش المصري له رأي آخر، فبنفس المنطق الذي يستغل به حالة لاعبي الأندية الشعبية من التجنيد، يُكوّن منتخب عسكري قوامه من المنتخب الوطني العام ومن المدنيين – على ذمة التجنيد – قادر على حصد البطولات القارية، سواء على مستوى القارة السمراء أو العالم بأكمله، فالمنتخب المصري يحتل المركز الثالث عالمياً في تحقيق المونديال العسكري برصيد 5 بطولات، وثلاث مرات وصافة ومثلهم مركز ثالث.


لعب المنتخب العسكري دوماً بلاعبي الأهلي والزمالك أمثال عصام الحضري وعبد الحليم علي وأبو تريكة وشيكابالا والمغفور له بإذن الله محمد عبد الوهاب وعبد الحميد بسيوني مدرب حرس الحدود الحالي ولاعب الزمالك السابق ومحمد عبد الشافي، وغيرهم من لاعبو الناديين وباقي فرق الدوري الممتاز. في الوقت الذي تدخل به باقي منتخبات البطولة بلاعبون مجندون هواة، لم يمارسوا كرة القدم في أندية محترفة من قبل ولم يُنتقوا من أندية في بلدانهم.


والحقيقة أن غالبية المنتخبات العربية العسكرية تفعل ذلك بلا غضاضة أو حرج، فالمنتخب العراقي العسكري يأتي في المرتبة الرابعة بعد المنتخب المصري في تحقيق البطولات، ويأتي بعدهم منتخب الكويت، ولا تتعجب إن علمت أن نهائي المونديال العسكري الأخير كان يجمع دولتين عربيتين هما العراق وعمان، والمونديال الذي سبقه كان بين دولتين عربيتين أيضًا هما مصر والجزائر وفازت به الجزائر، وقد وصلت مصر إلى نهائي البطولة 6 مرات في الخمسة عشر عاماً الاخيرة من أصل 7 بطولات، حققت خلالها 4 ألقاب من الجزائر والكاميرون واثنتين من اليونان، وخسرت اثنتين لصالح كوريا الشمالية والجزائر.


هذه ليست عملقة، إنما هو سعار البطولة وتصنعها حتى لو جاءت بالزيف. ومع ذلك فايطاليا تتصدر البطولة برصيد ثمانية ألقاب، تليها اليونان بستة ألقاب، رغم كونهم يخوضون تلك البطولة بمجندون يلعبون كرة القدم كما قُلت، وليسوا لاعبو كرة قدم على ذمة التجنيد من خارج الخدمة.


في العام الماضي كان قد شارف الدوري (موسم 2013/2014) على الانتهاء ولم يتبق منه إلا أسبوعين، والأندية العسكرية الثلاثة مهددة بالهبوط للقسم الثاني، في الوقت ذاته خرج إسماعيل فايد نائب رئيس مجلس إدارة نادي سموحة ليفجر مفاجأة مفادها أن لجنة الأندية تتعرض لضغوط عسكرية لإلغاء الهبوط هذا الموسم بتحريض مرتضى منصور رئيس اللجنة على طرح الأمر في اجتماع الأعضاء الممثلين للأندية وتقديمه لاتحاد الكرة للموافقة عليه، وقال فايد أن منصور علّق على ذلك بأنه جزء من “رد الجميل” للجيش ولدوره في 30 يونيو. (9)


في المقابل خرجت حملات شنها رياضيون وإعلاميون على هذا المقترح وطالبوا اتحاد الكرة بعدم الخضوع لهذه الرغبة لأنها ستكتب نهاية البطولة في مصر بعدما تجعل منها أطول بطولة دوري في العالم بعدد 23 فريق. وقتها قال شوبير أن سمير زاهر قد صرّح ذات مرة أنه تلقى تعليمات من مسئول بالمجلس العسكري في 2011 لإلغاء الهبوط وهو ماحدث بالفعل. شوبير الذي كان جزءًا من اتحاد الفساد في وقت سابق، استدل بهذه الواقعة للتدليل على فساد زاهر الذي كان ينوي خوض الانتخابات بقائمة منافسة لقائمته. وقال أن زاهر تفاخر بالاستجابة لطلب المسئول العسكري. (10)


وعلى غرار شقيقتها الكبرى وزارة الدفاع، لم تكتف وزارة الداخلية بفريق واحد “اتحاد الشرطة” يمثلها في الدوري الممتاز حتى دفعت بالآخر الداخلية”. لتتقاسم أجهزة الدولة الأمنية دوري الشركات والهيئات مع وزارة البترول.


الأندية التي تأسست بأموال الشعب تحولت لأندية استثمارية بعدما حادت عن كونها أندية اجتماعية في الأصل للعاملين بمؤسساتها وأسرهم، وانتهجت نفس سياسة أندية الجيش في استخدام قبضتها الأمنية ونفوذ مسئوليها في طرق الإدارة، وبرزت هذه الأساليب بشكل واضح في عقد الصفقات.


المقتطف التالي من مقال لأبو المعاطي زكي، الناقد الرياضي ورئيس تحرير جريدة نجم الجماهير: “ودعوني أدخل في تفاصيل ووقائع لم يتم الكشف عنها من قبل، وهى أن شخصية بارزة جداً جداً في الأمن العام المصرى، كان المسئول عن فريق الشرطة وعقد صفقات اللاعبين، وهذا ليس سراً بل هو أمر معروف، بل إن تحديد موعد له مع أى مسئول فى أى ناد يسبقه تليفونات من أصغر مخبر مروراً بكل الرتب والمسئولين حتى مدير الأمن أو رئيس المباحث. وأذكر أننى عشت مع صديقي د.عمرو عبدالحق -رئيس نادي النصر- تفاصيل لقاء ساخن جداً لطلب شراء ثلاثة لاعبين، إلا أن عبدالحق رفض، وامتلك شجاعة الرفض، ولكن رفضه كان بفكاهة ، بمعنى أنه رد على المسئول بسؤال: هل لو رفضت سيتم اعتقالي أو تلفيق قضية لي؟! وأعجب الرجل به، لأنه امتلك شجاعة قول “لا” له، وهو في مكتبه الذي يخض أي إنسان عند دخوله”. (11)


ولعلنا نذكر صراع الأهي والزمالك على ثلاث لاعبين من فريق الشرطة بالعام الماضي، انتهى بتدخل وزير الداخلية محمد ابراهيم شخصياً ليؤكد أحقية الزمالك بعقود اللاعبين (12). وهو ما كان متوقع، فرئيس نادي الزمالك مرتضى منصور هو رجل الجهات الأمنية الأول في عالميّ كرة القدم والسياسة وصوتها الباطل المدافع عنها دومًا، ومرضاته واجبة على الوزارتين ليواصل مسيرته معهما.


كل هذه الأندية وغيرها من النوادي الخاصة سواء المملوكة للجيش او للشرطة تعامل معاملة درة التاج بالنسبة لقيادات الوزارتين، تمثل الوجاهة والقبول من جانب وتحافظ على التمدد في الحياة المدنية من جانب آخر وتحقق دخل مالي لا بأس به يُرضي “البهوات”، لذلك يتم التصدي لأي محاولات من الأجهزة الرقابية او القضائية للإطلاع على البيانات المالية أو أية معلومات من شأنها “كشف المستور”.


وهو ما جعل المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، يطالب رئاسة الجمهورية بضرورة إخضاع أندية الشرطة لرقابة الجهاز، بعد أن خاطب وزير الداخلية أكثر من مرة بذات الطلب، ولم يرد الأخير إلا ببيانات متناقضة يقول في احداها أن أندية الشرطة خاضعة بالفعل لرقابة الجهاز، ويرفض في آخر فكرة الرقابة على وزارته. (13)


تجاهل رئاسة الجمهورية لاستغاثات رئيس الجهاز المركزي هو الآخر مفهوم سببه، ويتضح في تمرير السيسي لمشروع قانون الضريبة العقارية، بما يحقق إعفاد أندية وفنادق القوات المسلحة دون الأخذ بملاحظات قسم الفتوى والتشريع بمجلس الدولة على أن هذا القانون به عوار دستوري لأنها أندية ربحية، وهو ما يسقطها من قائمة الجهات المعفاة بنص القانون المصري. (14)


———–

روابط يجدر الإشارة إليها
(1) International Military Sports Council official website
(2) العقيد «مؤنس أبو عوف»: حرس الحدود لا يتبع القوات المسلحة 
(3) محافظة القاهرة: حجزنا على أموال «الأهلي» في البنوك لاستيفاء حقوقنا
(4) الأندية ترفض إقامة المباريات على الملاعب العسكرية بسبب “الفلوس”
(5) FIFA Official Website – FIFA Statutes 
(6) مصدر سابق
(7) اللواء أركان حرب عبد الحكيم مسلم رئيساً لنادي حرس الحدود
(8) حلمى طولان : هناك تعنت من الأندية العسكرية ضد لاعبي سموحة

(9) ضغوط لإلغاء الهبوط بالدوري المصري مجاملة للجيش 
(10) شوبير: سمير زاهر يؤكد تدخل مسئول عسكري كبير لإلغاء الهبوط 
(11) أبو المعاطي زكي يكتب..ثورة ضد أندية الشركات والمؤسسات 
(12) الشرطة للأهلي: حسم أزمة الصفقات في يد وزير الداخلية
(13) “المركزى للمحاسبات” يطالب “الداخلية” بخضوع أندية الشرطة للرقابة
(14) السيسي يصدر قانون الضريبة العقارية دون الأخذ بملاحظات مجلس الدولة.. وإعفاء أندية وفنادق القوات المسلحة

الاثنين، 9 فبراير 2015

مُحدَّث | روايات شهود عيان عن واقعة ستاد الدفاع الجوي


تنويه: المواد المنشورة لا تُدرج تحت بند الرأي، وهي غير منتقاة ولا تهدف لتوجيه القاريء. فقط عملية تجميع لما قاله شهود عيان من قلب الحدث، لرصد جزء من تاريخ محتمل النسيان وقابل للتأويل واللغط لاحقًا، والعُهدة ع الرواة. هذا كل ما وصلني على حسابي في تويتر وماتوصلت إليه من نتائج البحث.