الأحد، 3 أغسطس 2014

ما جدوى المقاومة؟


في حلقة من برنامج "صباح أون" المُذاع على قناة ONTV بتاريخ 3/8/2014، طرح الإعلامي رامي رضوان سؤال، كان مُلحّ به على ضيفيه مكررًا إياه، وبالرغم من حنكة الضيفين كما رأيتهما في سياق الحديث عن الشأن الفلسطيني، إلا أني لم أرى أى منهما يرد على هذا السؤال بصريح العبارة، فقررت أن أرُد عليه في تغريدة أو اثنتين على تويتر بإشارة إلى السائل، وسرعان ما وجدت أن الرد قد فاق السبع تغريدات، ففضّلت أن أرد في تدوينة وأقول فيها ما أريد.

السؤال كان "ما جدوى المقاومة في غزة؟"

مبدأيًا، هذا أغبى سؤال رأيته في حياتي، حتى لو غرضه استيضاحي -وهو ليس كذلك- سيظل أغبى سؤال لم ولن أرى مثله من ناحية الغاية من الجواب عليه.

ما جدوى المقاومة.؟؟

قبل أن ترُد، أعِد قراءة السؤال جيدًا، فهو يناقش الجدوى من المقاومة بالتجريد ولا يتسائل مستنكرًا عما حققته بالفعل المقاومة الفلسطينية -وخاصةً حماس كما ألمح هو- في الازمة الأخيرة، بالأحرى يقول "ما الفائدة من أن تُفاوِم".
هُنا يستوجب علَيّ التفرقة بين المبادرة والهجوم من ناحية، والمقاومة من موقع رد الفعل من جانب آخر، للوقوف على معنى "المقاومة"..
أن
 تُبادر بالإعتداء على شخص، فهذا يتطلب تعليل وتفسير واضح لدوافعك التي جعلتك تُفبِل على هذا العمل. بينما يكفي المُعتدى عليه في رد العداء أنه قد أٌعتديَ عليه ومازال هذا العداء جاري، فيكون في موضع "المقاوم" دافع الأذى عن نفسه، وما دون ذلك سوى الصمت. إما أن تُضرَب فترُد الضربة، وإما أن تُضرَب فتستكين.. وغالبًا ستكون مطمع للمُعتدي إذا فضلت الخيار الأخير.
إذًا، فالمقاوم هو رافض الخضوع لسطوة الغير، راد الفعل، المواجه للعدو.. وهو ليس مُطالَب بتحقيق نصر إيجابي كما المهاجم المبادر البادي، وليس مطلوب منه تفسير "مقاومته"، وإنما هدفه دفع/وقف الضرر الذي لحق به فقط.. وإذا حقق ذلك سيكون وقتها انتصر نسبيًّا.

يرُد الضيف "شخص لا أعرفه، لكنه غير مصري وهذا ما بدا من لهجته ولكنته" على رامي بإجابة اقتبسها من رد سبقه على لسان الضيف الآخر "عبد الحليم قنديل" ويقول أن المقاومة حققت رد مقبول والحقت بالاحتلال خسائر كبيرة بالمقارنة مع الهجمات السابقة عليها، وبالمقارنة حتى مع حروب دخلتها دول عربية بجيوش كاملة وعتاد وتسليح أكبر وجند أكثر ولم تقضي على هذا الكم من الجنود الاسرائيليين.


يُعيد رامي السؤال مرة أخرى بالنَص "ما جدوى المقاومة" بعد أن يُذكّر ضيفيه باستعادة الجيش المصري لسيناء في حرب
73، وهو ما يتجاهل فيه أن الأرض لم تُسترَد بالحرب وإنما عادت بالمفاوضات وبالمساومة على معاهدة الشؤم بعد أكثر من 5 أعوام خارج ميدان الحرب، وأن الانتصار الذي حققه جيشنا في 73 كان انتصارًا جزئيًا أيضًا، خسرنا فيه أرواح بشرية شهداء وأسرى ضعف ما ألحقناه بصفوفهم، ومركَبات وسلاح أضعاف ما خسروه.


يبقى السؤال كما هو "ما جدوى المقاومة؟".

غير أنه وضح في هذا السياق بعض الشيء، أعتقد أن رامي يريد انتصار خالص، إما أن تنهي المقاومة الاحتلال تمامًا وإلّا فلا مقاومة، إمّا أن تُبيد العدو بالكامل وإلّا فلم يُحقَّق نصر.
مقتل العشرات من جيش الاحتلال ليست جدوى.
ردع الاجتياح البري الذي شرع فيه الاحتلال وانسحب سريعًا، ليس جدوى.
الوصول -ترجّلًا- بدون مركَبات إلى معسكرات العدو ودخولها من بواباتها ومباغتة جنود الصهاينة بها، وقتلهم، ليست جدوى.
قد يقول قائل أن مقتل العشرات من جيش الاحتلال كان سببًا في مقتل اكثر من 1400 غزّاوي، وهذا جهل بيّن بسيكولوجية العدو.. فاسرائيل ستضرب على أى نحو سواء سقط من صفوفها قتلى ام لم يسقط، ستظل تضرب إلى ان تستشعر الخطر، وستضرب المدنيين بالأخصّ وهذا ماعهدناها عليه وتكفي الإشارة هنا إلى مجزرة بحر البقر.
اسرائيل كانت ومازالت دولة قاتلة للأطفال، تستغل كل كروتها وترتكب جرائم حرب ضد المدنيين لإبتزاز المحاربين من ذويهم.

آخر الإجابات الفلسفية في هذا الشأن، هي أن المقاومة إذا ما لم تحقق أي شيء يُذكر، أي شيء، فهذا أفضل كثيرًا من اللامقاومة التي لن تحقق شيء أيضًا. أفضل من أن تُضرَب على خدّك الأيمن فتدِر للعدو الجانب الأيسر، أفضل من أن تحنى جبهتك، المقاومة دليل على أن هناك أحياء، هناك أرواح، هناك من يحاول، هناك من يرفض الظلم الواقع عليه، هناك صاحب الأرض الذي لم يستسلم بعد.

ليست هناك إجابة محددة موضوعة قي قالب للرد على هذا السؤال، الإجابات كثيرة والأسباب أكثر، لكن تبقى أفضل إجابة هي.. ما جدوى الإستكانة والخنوع؟؟