الأحد، 3 أغسطس 2014

ما جدوى المقاومة؟


في حلقة من برنامج "صباح أون" المُذاع على قناة ONTV بتاريخ 3/8/2014، طرح الإعلامي رامي رضوان سؤال، كان مُلحّ به على ضيفيه مكررًا إياه، وبالرغم من حنكة الضيفين كما رأيتهما في سياق الحديث عن الشأن الفلسطيني، إلا أني لم أرى أى منهما يرد على هذا السؤال بصريح العبارة، فقررت أن أرُد عليه في تغريدة أو اثنتين على تويتر بإشارة إلى السائل، وسرعان ما وجدت أن الرد قد فاق السبع تغريدات، ففضّلت أن أرد في تدوينة وأقول فيها ما أريد.

السؤال كان "ما جدوى المقاومة في غزة؟"

مبدأيًا، هذا أغبى سؤال رأيته في حياتي، حتى لو غرضه استيضاحي -وهو ليس كذلك- سيظل أغبى سؤال لم ولن أرى مثله من ناحية الغاية من الجواب عليه.

ما جدوى المقاومة.؟؟

قبل أن ترُد، أعِد قراءة السؤال جيدًا، فهو يناقش الجدوى من المقاومة بالتجريد ولا يتسائل مستنكرًا عما حققته بالفعل المقاومة الفلسطينية -وخاصةً حماس كما ألمح هو- في الازمة الأخيرة، بالأحرى يقول "ما الفائدة من أن تُفاوِم".
هُنا يستوجب علَيّ التفرقة بين المبادرة والهجوم من ناحية، والمقاومة من موقع رد الفعل من جانب آخر، للوقوف على معنى "المقاومة"..
أن
 تُبادر بالإعتداء على شخص، فهذا يتطلب تعليل وتفسير واضح لدوافعك التي جعلتك تُفبِل على هذا العمل. بينما يكفي المُعتدى عليه في رد العداء أنه قد أٌعتديَ عليه ومازال هذا العداء جاري، فيكون في موضع "المقاوم" دافع الأذى عن نفسه، وما دون ذلك سوى الصمت. إما أن تُضرَب فترُد الضربة، وإما أن تُضرَب فتستكين.. وغالبًا ستكون مطمع للمُعتدي إذا فضلت الخيار الأخير.
إذًا، فالمقاوم هو رافض الخضوع لسطوة الغير، راد الفعل، المواجه للعدو.. وهو ليس مُطالَب بتحقيق نصر إيجابي كما المهاجم المبادر البادي، وليس مطلوب منه تفسير "مقاومته"، وإنما هدفه دفع/وقف الضرر الذي لحق به فقط.. وإذا حقق ذلك سيكون وقتها انتصر نسبيًّا.

يرُد الضيف "شخص لا أعرفه، لكنه غير مصري وهذا ما بدا من لهجته ولكنته" على رامي بإجابة اقتبسها من رد سبقه على لسان الضيف الآخر "عبد الحليم قنديل" ويقول أن المقاومة حققت رد مقبول والحقت بالاحتلال خسائر كبيرة بالمقارنة مع الهجمات السابقة عليها، وبالمقارنة حتى مع حروب دخلتها دول عربية بجيوش كاملة وعتاد وتسليح أكبر وجند أكثر ولم تقضي على هذا الكم من الجنود الاسرائيليين.


يُعيد رامي السؤال مرة أخرى بالنَص "ما جدوى المقاومة" بعد أن يُذكّر ضيفيه باستعادة الجيش المصري لسيناء في حرب
73، وهو ما يتجاهل فيه أن الأرض لم تُسترَد بالحرب وإنما عادت بالمفاوضات وبالمساومة على معاهدة الشؤم بعد أكثر من 5 أعوام خارج ميدان الحرب، وأن الانتصار الذي حققه جيشنا في 73 كان انتصارًا جزئيًا أيضًا، خسرنا فيه أرواح بشرية شهداء وأسرى ضعف ما ألحقناه بصفوفهم، ومركَبات وسلاح أضعاف ما خسروه.


يبقى السؤال كما هو "ما جدوى المقاومة؟".

غير أنه وضح في هذا السياق بعض الشيء، أعتقد أن رامي يريد انتصار خالص، إما أن تنهي المقاومة الاحتلال تمامًا وإلّا فلا مقاومة، إمّا أن تُبيد العدو بالكامل وإلّا فلم يُحقَّق نصر.
مقتل العشرات من جيش الاحتلال ليست جدوى.
ردع الاجتياح البري الذي شرع فيه الاحتلال وانسحب سريعًا، ليس جدوى.
الوصول -ترجّلًا- بدون مركَبات إلى معسكرات العدو ودخولها من بواباتها ومباغتة جنود الصهاينة بها، وقتلهم، ليست جدوى.
قد يقول قائل أن مقتل العشرات من جيش الاحتلال كان سببًا في مقتل اكثر من 1400 غزّاوي، وهذا جهل بيّن بسيكولوجية العدو.. فاسرائيل ستضرب على أى نحو سواء سقط من صفوفها قتلى ام لم يسقط، ستظل تضرب إلى ان تستشعر الخطر، وستضرب المدنيين بالأخصّ وهذا ماعهدناها عليه وتكفي الإشارة هنا إلى مجزرة بحر البقر.
اسرائيل كانت ومازالت دولة قاتلة للأطفال، تستغل كل كروتها وترتكب جرائم حرب ضد المدنيين لإبتزاز المحاربين من ذويهم.

آخر الإجابات الفلسفية في هذا الشأن، هي أن المقاومة إذا ما لم تحقق أي شيء يُذكر، أي شيء، فهذا أفضل كثيرًا من اللامقاومة التي لن تحقق شيء أيضًا. أفضل من أن تُضرَب على خدّك الأيمن فتدِر للعدو الجانب الأيسر، أفضل من أن تحنى جبهتك، المقاومة دليل على أن هناك أحياء، هناك أرواح، هناك من يحاول، هناك من يرفض الظلم الواقع عليه، هناك صاحب الأرض الذي لم يستسلم بعد.

ليست هناك إجابة محددة موضوعة قي قالب للرد على هذا السؤال، الإجابات كثيرة والأسباب أكثر، لكن تبقى أفضل إجابة هي.. ما جدوى الإستكانة والخنوع؟؟

الاثنين، 14 أبريل 2014

ما لا تفهمه البيروقراطية.


القاعدة الأولى الثابتة عند سَنّ أى نَص تشريعي أو قانون في أى مكان على وجه الأرض وفي كل الأزمنة من وقت حمورابي ومانو وصولًا إلى زمن الزند، أن يكون القانون مُجرّدًا في العموم، بمعنى أن نَص القانون لا يكون مخاطبًا شخص بذاته دون غيره أو مُفصّل لواقعة بعينها، فلا يمكن للمشرِّع التنبؤ بشكل أو نوع الشخص الذي سيطبق عليه القانون مستقبلًا، وإنما يحدد شروط وضوابط مسبقة، اذا خالفها أى شخص فهو متهم أمام القانون. 
فإذا ما قررت الدولة أن تصدر قانون للتظاهر، يكون هذا القانون لكافة المتظاهرين وليس للمتظاهرين الرافضين لسياسة الحكومة فقط، وهذا ماراعاه المُشرِّع بالفعل -بغض النظر عن المحتوى نفسه الذي يحد ويمنع ويُعجّز المتظاهرين وليس ينظم عملية التظاهر- لكن عند التطبيق من السُلطة التنفيذية لا تنطبق بنود هذا القانون على المتظاهرين المؤيدين، فترى الشرطة تلاحق متظاهرين رافضين لقانون التظاهر نفسه وتعتقل من تعتقل منهم شباب وفتيات وتُصدر أحكامًا عليهم بالسجن 3 سنوات، في الوقت ذاته وعلى النقيض تتجمّع حشود مؤيدة للدولة بدون أى اخطار أو التزام بنفس القانون، تارةً لتأييد خارطة الطريق وأخرى لتهديد باسم يوسف أمام مسرحه وثالثة لتأييد السيسي المنتظر، دون أن تلقى هذه التظاهرات أى مواجهات مع الشرطة، بل تكون تحت حمايتهم.. أو تكون أكتاف المتظاهرين تحت مؤخرات أفرداها. 
الدولة البيروقراطية متمثلة في سلطات تطبيق القانون تُميّز بين مواطن وآخر بناءً على موقف وتوجُّه سياسي، ومن يعترض على ذلك فهو فوضوي أناركي يهدف لإسقاط مؤسسات الدولة ويُريد إحداث خلل بالأمن العام.

يقف عبد الغفار شُكر -نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان- وأمامه ثلاث ميكروفونات تحملها سواعد ثلاثة من مراسلو قنوات فضائية مختلفة، ربما قد كان سأله أحدهم عمّا توصلت إليه اللجنة بشأن تداعيات عن التعذيب في السجون، فيرُد قائلًا: احنا زُرنا سجن طُره مرتين وزُرنا سجن طنطا وزُرنا سجن أبو زعبل امبارح، وكان هدفنا من دا ان نتحقق من أن هناك تعذيب ومعاملة سيئة للمسجونين على ذمة التحقيقات، واللجنة توصلت الى نتائج كتبتها في تقريرها أن ليس هناك تعذيب منهجي في السجون، لكن هناك معاملة قاسية، وذكرنا 5 أقسام شرطة كان يتم ضرب المساجين فيهم قبل ان تتم احالتهم الى النيابة وكان هناك مايسمى بـ "الحفلة" عندما وصلوا الى سجن أبو زعبل وتعرضوا للاعتداء والتعذيب والاهانة.
طيب الحمد لله طمنت قلبي، دا تعذيب بس مش منهجي، عادي يعني.!!! 
الدولة البيروقراطية تأتي بمجالس تُقنِّن انتهاك حقوق الإنسان وتسميها "المجلس القومي لحقوق الإنسان"، ومن يعترض فهو نصير للإرهاب والإرهابيين مناديًا بحقوقهم طوال الوقت و بالمرة متجاهلًا لحقوق دماء من ماتوا على الحدود، دون أن يُصرّح أو يلوّح بأى كلام في هذا الأمر.

الفجوة التي اتسعت بين الحكومات المتعاقبة منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 والمواطن، سببها ان الدولة غير قادرة على استيعاب ما تغير في سلوك المواطن وردود فعله تجاه فشلهم وفسادهم، فالنظام إن كان مدنيًا بموالاة عسكرية من الباطن أو اخوانيًا، دائمًا يرى مطالب العمال والموظفين بالقطاع العام والجهاز الإداري للدولة مظاهرات فئوية مدفوعة من الجهة الأخرى لتكدير السلم العام وتشتيت ذهن الحكومة باختلاق مناخ فوضوي يجعلهم عاجزين عن تحقيق أولويات، أو مجموعة من المواطنين الغير وطنيين تدفعهم الأنانية لمساومة الدولة بزيادة الأجر في أوقات العثرة، قبل ان يزيدوا الانتاج وينتظروا عائده ليعود عليهم في صورة زيادات على الدخل. وان كانت ثورة يناير ماتت بالتدريج وفشلت في تحقيق أى هدف من أهدافها، إلأ انها أفرزت جيل جديد لن يصمُت أمام أفعالهم ولن يُؤجّل حقوقه لأى سبب سواء كان هذا السبب حقيقي أو مصطنع، هذا الجيل مستحيل هدمه او القضاء عليه لأن سبُل التقائه وتكتُّله افتراضية على مواقع التواصل الإجتماعي، وإذا ما سنحت لحظة مناسبة سيتحول هذا الملتقى للشارع وتندلع الثورة، فالحل الأمثل ان تثور مؤسسات الدولة على نفسها بدلًا من اتخاذ التدابير والاحتياطات اللازمة لقمع أى احتجاجات على فشلها وفسادها. 
الدولة البيروقراطية لا ترى للمواطن حقوق إلا ما تقرره هي، فإن طالبها أحدهم بما لا تراه حق، عُدّ ذلك مؤامرة على بصرها.

بعد الإطاحة بمُرسي كان هناك حراك جامعي من طلاب الإخوان داخل ساحات جامعتيّ الأزهر والقاهرة، قد تختلف مع ماينادون به، لكن تحتم عليك الديمقراطية التي ادعيتها عند الإطاحة برئيسهم والتي كان من ضمن أسبابها فاشيتهم، أن من حقهم يتظاهروا ويقولون ما يشاءوا طالما كان هذا في إطار سلمي، وطبقًا لما قاله د. جابر نصار -رئيس جامعة القاهرة- بأن الجامعة ليست في حاجة إلى تأمين من الشرطة أو الجيش، وأن الحرس الجامعي التابع للجامعة مسيطر على الأوضاع وقادر على حفظ الأمن، يتضح من ذلك ان المظاهرات كانت لا تزيد عن هتافات فقط. 
في 22 أكتوبر 2013 وبدون أسباب صدر قرار حكومي بتشكيل قوات من الشرطة لحماية 22 جامعة حكومية بالإضافة إلى جامعة الأزهر، بدأت المعركة بينهم وبين الطلاب خارج الحرم الجامعي وامتدت إلى داخلها، وهو ما أسفر عن وفاة محمد رضا -طالب الهندسة- بطلق ناري في الرأس واصابة ثلاثة آخرين من الطلبة، وهو ما أثار حفيظة الطلاب بوجه عام واصبح الصراع بين الطلاب والشرطة وليس طلاب الاخوان فقط.ورغم ان الحرس الجامعي محظور من دخول الجامعة بحكم نهائي من المحكمة الإدارية في 2010، الا ان القضاء المصري يفاجئنا كالعادة بصدور حكم عن محكمة الأمور المستعجلة يقضي بعودة الحرس الجامعي مرة أخرى، وان المحكمة استندت في حيثيات حكمها إلى ان حكم العودة على جامعة القاهرة فقط، وهو ما يخالف حكم الإدارية بحظر الحرس الجامعي من التواجد في "كافة الجامعات"، ورغم أن حكم الحظر في 2010 كان بات ونهائي إلا ان المحكمة التي قضت بعودة الحرس غير مختصة في الأساس بنظر هذه الدعوي، ولا تختص غير المحكمة الإدارية بهذه الدعوى لأنها قرار إداري بالأصل.قضاء الدولة البيروقراطية يحكم بما يخدم مصالحها وليس بالعدل، ومن يستهزأ بالاصطلاح الدارج "قضائنا الشامخ" أصبح عميلًا خائنًا يسعى لتحريض المواطنين للتمرُّد على محققي العدل، متناسيًا أنه "لاتعليق على أحكام القانون".. فعلًا لا تعليق

الحكومة ترى أن الطاقة البديلة لسد عجز احتياجات محطات توليد الكهرباء وتشغيل المصانع هى الفحم، ترى أن سرطان الرئة ولوكيميا الدم وكافة أمراض الجهاز التنفسي المستدامة وتشوُّه الاجنّة في بطون أمهاتها، طاقة بديلة. تتجاهل الدولة مصادر انتاج الطاقة الآمنة مثل الطاقة الشمسية وتدوير مخلفات القمامة وطواحين الهواء وتُصرّ جاهدةً على الأرخص ثمنًا والأسرع في النقل، وتنسى أنه لن يكون أقل ثمنًا من غازنا الطبيعي الذي صدرته -ومازالت- لاسرائيل والأردن وأسبانيا.سرعان ماتُدِرّ علينا ممثليها والمتحدثين لصالحها من الباطن على شاشات التليفزيون، ليؤكدوا للمتخوفين من عامة الناس، أن الفحم طاقة نظيفة -أنضف من الصيني بعد غسيله على حد قول أحدهم- وأن دول العالم المتقدمة لا تستغنى عنه كطاقة أساسية، متجاهلًا في ذلك الزمن الذي أدخلت فيه هذه الدول الفحم إلى مصانعها، وتعداد السكان في هذه الدول، وكم الدراسات التي أوصت بإنهاء العمل تدريجيًا بالفحم كمصدر للطاقة، بعد معاهدة كيوتو التي طالبت المنضمين إليها أن يلتزموا بالحد من انتشار الكربون في الغلاف الجوي، ومن سوء حظ الحكومة المصرية أن مصر وقعت عليها في 2008 وصدقت، أى تعهدت بالالتزام ببنود الاتفاقية. 
الدولة البيروقراطية تضرب بكافة الاتفاقيات والبروتوكولات والمواثيق التي صدقت عليها عرض الحائط، وإذا ما قرر شخص ما أن يذكرها بذلك الأمر، بات مدفوعًا من منظمات المجتمع المدني الممولة جميعها من الخارج لزعزعة الاستقرار في بلد الأمن والأمان، أمان آربي أمان.

في منتصف العقد الثالث من القرن الماضي، مكث ميلفين تولسون -أستاذ جامعي وشاعر وكاتب سياسي ومناضل شيوعي أفروامريكي- على تعليم ثلاثة من طلابه في جامعة "وايلي-تكساس" كيف يُنظِّرون مع المختلفين فكريًا معهم ويعلمهم اللباقة والجدل، غرس في نفوسهم كيفية التحدي واثبات الحُجة بعدة طرق لا يتسع السياق هنا لذكرها، بعدها دخل الفريق صراعًا متتاليًا من المناظرات مع الجامعات الأخرى في اطار مسابقات مفتوحة على مدار العام الدراسي، وكانت جامعتهم خاصة بالطُلاب السود فقط، حيث كان الفصل بين السود والبيض ممتد إلى داخل الجامعات والمدارس.
أبلى الطلاب بلاءً حسنًا وذاع صيتهم على مستوى الولاية وتوسّع بعد ذلك على مستوى الدولة الامريكية بالكامل، بناءً على ذلك.. ورغم الحظر العنصري للزنوج بعدم دخول جامعات البيض، طلبتهم جامعة هارفارد لمناظرة فريقها متصدر السباق والذي له تاريخ حافل من الانتصارات على غرمائه، للمسابقة شروط منها ألا يعلم أحد المتناظرين موضوع المناظرة قبل 24 ساعة من موعد بدأها، وتُدار بطريقة غير تقليدية، لأن المطلوب من كل طرف فيهما ان يثبت عكس ما يعتقده الآخر حتى لو كان متفق معه بشكل كُلي، كان عنوان المناظرة هذه "العصيان المدني سلاح أخلاقي للنضال من أجل العدالة"، وعلى كلا المتناظرين أن يستدلا بأقوال تاريخية لأدباء وزعماء لاثبات حجتهم، ويستعينوا بمعطيات أخرى وفقما تفتضي ضرورة الحوار. كان المطلوب من جامعة وايلي هو تأكيد عنوان المناظرة، وبالتالي تحولت المناظرة إلى حرب كلامية بسبب أن المتنافسين أعداء تحت هذا العنوان في الواقع، وجاءت إلزامات لجنة اجراء الحوار لتزيد الأمور تعقيدًا بأن اعطت لكل منهم المساحة لاثبات حقه الأصلي وليس الحواري، فالأسود "الزنجي" ان فاز سيسبب حرجًا للجامعة بل للبيض أجمعهم وسيكون لزامًا عليهم الاعتراف بحقوقه، وإن فاز الأبيض سيستمر الوضع على ماهو عليه بالتفرقة العنصرية وعدم المساواة واستمرار الانتقاص من حقوق السود.. دارت المناظرة التي كانت تسمعها كل ولايات أمريكا عن طريق راديو WNBC أكبر شبكة إذاعية وقتذاك. جرى ماجرى خلال المناظرة واحتدمت المناقشة وأجاد كل طرف فيهما حتى جاءت اللحظة التي هدم فيها جيمس فارمر -ذلك الشاب الصغير ذو الثماني عشر ربيعًا- كل ماقاله مناظرو فريق جامعة هارفارد.. لم يقل سوى " نحن نتعرض للقتل ولا نستطيع ان نفعل شيء سوى أن نحني رؤوسنا، لم نرتكب جُرم، حتى لون بشرتنا الذي نعاقب عليه لم نختاره وإنما وُلِدنا به، لم ينصفنا القانون وجعل علامة استفاهم كبيرة في اذهاننا طوال الوقت، لماذا.؟؟ لماذا نُقتَل.؟؟، خصمي يقول أن القانون لا يمكنه فعل شيء منتهك للأخلاقيات، متناسيًا أن من وضع القانون رجل أبيض، كيف يكون هذا والقانون ذاته يحرم الزنوج من التعليم والعلاج والمسكن.؟؟ القديس أوغسطين قال: القانون الذي يكون جائر ليس بقانون. لا بُد أن أقاومه حتى أنتزع حقوقي، بالعُنف أو بالسِلم، والعصيان المدني هو أبسط مفاهيم السِلم، يجب أن تُصلّوا حتى أختار الأخير".بهذه الكلمات، قَلَبَ جيمس فارمر الطاولة على فريق هارفارد وجميع محاضريه وكل الحاضرين، وأجبرهم على الوقوف والتصفيق له. هزمت هذه الكلمات جامعة بأكملها لم تُهزَم على مدار ثلاثمائة عام منذ انشائها، بل كان لها أثر عارم بعد ذلك في انتزاع حقوق السود على مستوى القضية بأكملها.

مالا تفهمه البيروقراطية أن سلوك البشر تجاه سياسة حكوماتهم نوعان، مؤيودن ومعارضون، وأن سبُل المعارضون في التعبير عن وجهة نظرهم نوعان أيضًا بشكل سلمي أو مسلح، ليس لهم ثالث ولا حل وسط، وانا لا أقول هذا من باب التهديد أو المساومة، انما لسلامتنا جميعًا.. نحن اخترنا الطريق السلمي للتعبير عن آرائنا، فاذا أُغلِقت كل الأبواب من هذا الجانب سينزح كثيرون منّا إلى الجانب الآخر. السلمية حق لنا نريده، وليس فضل منكم نستجديه عطفًا.


روابط تجدر الإشارة إليها..
إتفاقية كيوتو، ويكيبيديا
البديل | جابر نصار: الداخلية قتلت طالب الهندسة وأصابت آخر في عينيه
عبد الغفار شكر: زُرنا السجون، مفيش تعذيب لكن فيه حفلات ضرب جماعي بس

الثلاثاء، 8 أبريل 2014

التجربة الديمقراطية الاندونيسية، ما بعد سوهارتو.


طبعًا عرفت ان انتخابات اندونيسيا البرلمانية النهاردة ومهتم لأنها أكبر دولة بها مسلمين في العالم وكدا.؟؟

- آه عرفت، واكيد التيار الإسلامي هناك مكسّر الدنيا والاخوان والسلفيين مكتسحين.
اخوان وسلفيين مين يابا، الناس دي هناك مالهاش أى أثر يُذكر في الحياة السياسية والعامة، أكثر دورة برلمانية أخدوا فيها مقاعد في البرلمان كانت 2009 بنسبة 19% ودي كانت طفرة في قبولهم المجتمعي، قبل كدا كان 7% في 2004 وأرقام أقل، الناس هناك واعية وبتفصل تمامًا بين المعتقد الديني والسياسي، والشعارات مابتاكلش معاهم ولا حد يقدر يلعب على عواطفهم الدينية ويستقطب أهوائهم.
- يبقى العسكر هناك شافط الليلة وعامل حزب كبير مكوّن من الليبراليين الزيف والقوميين وبيلعب بهم من الباطن زى العرايس الماريونيت.!!!

لا برضه، الحياة الديمقراطية هناك بدأت من 98 باستقالة سوهارتو اللي كان كان حاكم بالحديد والنار بمشاركة العسكر، وكان مُجبر ع الاستقالة دي بعد خروج مظاهرات طلابية حاشدة اجتاحت البلاد وقفلت الطرق واقتحمت البرلمان واحتلته لمدة 3 أيام، بعد رحيل سوهارتو.. أول حاجة عملتها القوى السياسية من كل الاطراف، وضع مباديء عامة للمرحلة الانتقالية، كان من ضمنها إبعاد الجيش نهائيًا عن إدارة الفترة الإنتقالية أو الإشتراك فيها، تبعه تحجيم سياسي تام أرغم الجيش على عدم التحدث في أى شان سياسي في الدولة.
- الله، دي تبقى بلد متقدمة بقى وديمقراطية وكدا.!!!

بمناسبة الديمقراطية، اندونيسيا رسميًا ثالث اكبر دولة ديمقراطية في العالم، أما اقتصادها قوي جدًا بيصل لمعدل نمو 6% وفي ارتفاع دائم، حتى أن كل دول العالم معدل انتاجها هبط تحت 4% في ازمة الكساد 2009 إلا 3 دول (الهند، اندونيسيا، الصين).
- طيب يعني الناس دي عملوا ايه خلاهم كدا، اشمعنى احنا يعني.؟؟

زي ماقولتلك، سوهارتو ترك الحكم لنائبه بحر الدين حبيبي "أيوة هو اسمه كدا"، بعدها عاشوا 3 سنين ضنك من 99 لـ 2002، أحلك سوادًا من اللي احنا عايشينهم، صراعات اهليه ونحار مجتمعي وانفتاح سياسي جعل البلد في حالة فوضى عارمة ومستدامة بعدما كانت الحياة السياسية لا تعرف إلا 3 احزاب، انهيار اقتصادي لم تشهد له البلاد مثيل في تاريخها، 77% تضخم، ارتفاع نسبة الفوائد لـ68%، انهيار للناتج المحلي 31% تحت الصفر "أيوة يعني -31%" ومعدل بطالة 25% وضياع تام.
لكن في الوقت ذاته كانوا بيفتحوا مسالك وبيكتسبوا بدايات لحياة مدنية ديمقراطية صائبة، الانفتاح السياسي جعل البلد في فوضي لكن أخرج الجمهور فيه كبته وغضبه من ديكتاتورية سوهارتو، اتعمل اكتر من 120 حزب سياسي شارك فيهم أغلب المواطنين، اتقبل منهم حوالي 80 حزب، دا كان له أثر عظيم مستقبلًا لما الناس فهمت ان السلطة في ايديها فعلًا واطمئن أغلبهم لذلك فترك السياسة لأهلها وتفرّغ لما يجيده من عمل، الصراعات الأهلية ذات البعد السياسي انتهت لأن في نظام ديمقراطي حقيقي بيعطي السلطة للفائز ويقول للمهزوم أنت رقيب على من في السلطة ومُقوِّم له، المجتمع بالكامل هدأ لِما وجده من مؤشرات وبوادر على قدوم الخير.
- برضه مش داخلة دماغي حكاية ان الجيش لا ينقلب على السلطة ولا الاسلاميين يتجهوا للعنف واستدعاء المظلومية.!!!
لا صدَّق، اصل الهدف من الصعود للسلطة هو تحقيق مصالح الجماهير وحمايتهم، بالعقل كدا اذا كان دا متحقق على أرض الواقع، هيبقى المعارضين والمتربصين عاوزين السُلطة بطرق غير مشروعة في ايه الا لو كان دا مش عاجبهم وعاوزين يحتكروا الخير ويلهطوه لواحدهم، انا لو لقيت دا في مصر مش هاشغل بالي بأحوال البلد بعد كدا ولا هابقى متابع للوضع السيسي أصلًا وانام في بطني بطيخة صيفي، وهما هناك شغالين بالفكرة دي، اللي عاوز السلطة يتفضل ياخدها بس مش هيعرف يحقق بها مصالح شخصية لان في نمط محدد للإدارة وتداول السلطة، انجزت استمر دورتين ورشح آخر من حزبك، فشلت الجماهير هتغيرك لأن حدسها أقوى من أى إعلام مزيف للوعي، وفي كل الأحوال مش هتعرف تستبد ولا تغير النظام لان الشعب لك بالمرصاد.


الجمعة، 28 فبراير 2014

روبين "الإعصار" كارتر، السيرة الذاتية.




الإعصار، لقب المُلاكم الأفروآمريكي روبين كارتر، بطل العالم للوزن المتوسط في ستينيات القرن الماضي، والذي اتحدث اليوم عن سيرته الذاتية التي يتناولها فيلم The Hurricane ، الفيلم يحكي عن الاضطهاد العنصري الذي دفع ظابط أبيض يُدعى "ديلابيسكا" لالصاق تهمة القتل العمد بروبين كارتر وسائقه ارثر، بأن اتهمهم بقتل ثلاث مواطنين من البيض في حانة بنيوجيرسي، وكيف زُيِّفت الحقائق وحُرِّفت الأدلة وأقوال الشهود وانهارت العدالة أمام رغبة رجل ابيض حاقد على شهرة وتصاعد اسم سجين سابق اسود.
حُكِم على كارتر وسائقه بالسجن مدى الحياة ثلاث مرّات في نفس الواقعة، قضى منهم 19 سنة من الفترة 1966:1985، سانده خلالها مشاهير مثل مطرب الروك "بوب ديلان" بعدما ارسل له كارتر كتاب سيرته الذاتية الذي كتبه ونشره من داخل السجن، استجاب له ديلان وقام بتأليف وتلحين وغناء أغنية "العاصفة" يحكي بين طيّات كلماتها قصة روبين ويناشد السلطات بالإفراج عنه، كما سانده أيضًا مشاهير آخرون مثل "محمد على كلاي، مارتن لوثر كينج" في حملاتهم المناهضة للتمييز العنصري واضطهاد السود وطلبوا إعادة محاكمته تحقيقًا للعدالة لكن دون جدوى، استأنف كارتر الحُكم امام محكمة نيوجيرسي مرتين أعوام (76،80) لكن استئنافه رُفِض في المرتين لأن المؤامرة لم تكن متوقفة غند الظابط فقط، بل امتدت لمكتب النائب العام والقضاء، واصبح خروج كارتر من السجن مستحيل.

عام 85، وقع كتاب كارتر في يد شاب امريكي اسود اسمه ليزرا، كان يدرس في تورنتو-كندا برفقة ثلاث شباب من البيض قرروا مساعدته وكفالته بعدما طلبوا ذلك من أسرته، هذا الشاب تأثر بكارتر بعدما قرأ الكتاب وقرر أن يراسله، وبالفعل حدثت بينهم مراسلات وزيارات من ليزرا لكارتر في السجن.
 في واحدة من زيارات ليزرا لكارتر في محبسه، كانت أقوى مشاهد الفيلم، عندما سأله ليزرا عن سبب كتاباته الكثيرة وكيف ولماذا يكتب، فقال له كارتر: عندما بدأت الكتابة، اكتشفت أن ما أقوم به أكثر من رواية أو قصة، الكتابة سلاح، وهي أشد قوة مما يمكن أن تكونه القبضة. في كل مرة أجلس فيها للكتابة، أشعر بأنني أرتفع فوق أسوار السجن، أستطيع أن أرى من خلال الجدران ولاية نيوجيرسي بالكامل، أستطيع أن أرى نيلسون مانديلا في زنزانته يكتب كتابه، أستطيع رؤية هيوي، أستطيع رؤية دستوفيسكي، أستطيع رؤية فيكتور هوجو وإيميل زولا، وكأنهم يقولون لي: "روبين" ماذا تفعل هنا؟، فأرد: "أنا أعرفكم جميعا. الكتابة كالسحر يا ليزرا. 
كتاب "الجولة السادسة عشر" الذي كتبه كارتر في محبسه.

 تطوّرت الزيارات فيما بعد إلى ان طلب ليزرا من روبين أن يعرّفه باصدقائه. استجاب كارتر بعد الرفض عدة مرات بسبب مشكلته في التعامل مع البيض، لأن كل ماحدث له وما هو فيه بسببهم. بعد فترة من الزيارات والمراسلات، قرر هؤلاء الشباب انهم سيُخرِجوه وسيبحثون عن أى خيط يوصلهم لاستئناف ثالث، وبعد عناء في البحث توصّلوا لكل الحقائق بالفعل بعد أن تحرّوا وبحثوا في الواقعة من جديد، لكن كان امامهم عقبة أخيره، وهى ان الدستور الاميركي ينُصّ على ألا تُنظَر الدعوى في غير دائرتها، وبذلك سيضطروا إلى تقديم هذه الأدلة أمام محكمة نيوجيرسي، التي كما قُلت في البداية متآمرة مع الشرطة والنيابة على كارتر. لم يكن لديهم غير أمل واحد وهو أن يذهبوا مباشرةً للمحكمة الفيدرالية، وفي ذلك مخاطرة لأن لو لم يقتنع القاضي بهذه الأدلة، سيفقدونها للأبد ولا يُعتد بها مرة أخرى. عملوا بالخيار الثاني لأنه الامل الوحيد، وحصلت المعجزة، القاضي أمر بإخلاء سبيل كارتر وآرثر في نفس الجلسة.


الفيلم بطولة أروع ممثل في هوليود -من وجهة نظري- دينزل واشنطن، أخذ جائزة الجولدن جلوب كأحسن ممثل درامي رئيسي عن هذا الفيلم، ورُشِّح عنه للأوسكار لكنه لم يفز بها، دينزل قام بدور كارتر بناءً على طلب الثاني، بعد منافسة بين ويسلي سنايبس وصامويل جاكسون والملاكم مارفن هاجلر على القيام بالدور.
السيناريو كله حقيقي ومقتبس عن كتاب (الجولة السادسة عشر) الذي كتبه كارتر في السجن عام 75، ومجموعة الرسائل بينه وبينه مارتن ليزرا التي نشرها عام 91.




بعدما خرج كارتر من السجن تم تكريمه من الاتحاد العالمي للملاكمه واعطائه الجائزة الأولى في سابقة لم تحدث في تاريخ الاتحاد حتى الآن، أن يفوز بالجائزة عضو غير ممارس. بعدها سافر كارتر إلى كندا مع ليزرا وأصدقاءه، وعمل رئيسًا لجمعية الدفاع عن من اُدينوا بالخطأ من عام 2006:93، ودرس ليزرا القانون وقرر ان يكون محامي كي ينتصر لكل المدانين بالخطأ. 

الأحد، 12 يناير 2014

لماذا أرفض المحاكمات العسكرية للمدنيين.؟؟

- من حيث المبدأ، أرفض المحاكمات العسكرية انتصارًا لقاعدة "لايُحاكَم مدني إلا أمام قاضيه الطبيعي" أى أمام القضاء المدني العادي، وهو المبدأ المعمول به عالميًا وفقًا للقانون الدولي، حيث خلَت دساتير العالم كله باستثناء 60 دولة من النَص على مادة للمحاكمات العسكرية بشكل عام للمدنيين او للعسكريين، بينما حدّدت الدول التي شملت دساتيرها مادة للمحاكمات العسكرية، الجرائم والأشخاص الذين تطبق عليهم المادة، فاقتصر اختصاصها على محاكمة العسكريين فقط في الجرائم التي تضُر المنشئات والمركبات العسكرية والأفراد العسكريين. وهذه الدول ليست مثالية بالشكل الذي يتصوره البعض بأن لا مخاطر فيها على قواتها المسلحة أو اجهزتها الامنية، وأننا لا يجب ان نقتدي بها في مثل هذا الأمر، فمثلًا من الدول التي تنُص على ان المحاكمات العسكرية للعسكريين فقط وفي الجرائم التي تتعلق بالمؤسسة العسكرية:-

(البحرين) - دستور٢٠٠٢ - مادة ١٠٥، فقرة ب
"يقتصر اختصاص المحاكم العسكرية على الجرائم العسكرية التي يرتكبها أفراد قوة الدفاع والحرس الوطني، وقوات الأمن ولا يمتد ذلك الاختصاص  إلى أشخاص آخرين إلا عندما يكون إعلان الأحكام العرفية وضمن حدود ينص عليها القانون".

(العراق) - دستور٢٠٠٥ - مادة ٩٩
"ينظم قانون القضاء العسكري، ويحدد اختصاص المحاكم العسكرية التي تقتصر على الجرائم ذات الطابع العسكري التي يرتكبها أفراد من القوات المسلحة وقوات الأمن، وضمن الحدود التي يقررها القانون".

(ايران) - دستور١٩٧٩ وعُدِّل ١٩٨٩ - مادة ١٧٢
"وسيتم إنشاء المحاكم العسكرية بموجب القانون للتحقيق في الجرائم التي ارتكبت ذات صلة  بالجيش أو المهام الأمنية من قبل أفراد من الجيش أو الدرك أو الشرطة أو قوات الحرس الثوري. ويحاكم هولاء الاشخاص أمام المحاكم العامة في الجرائم العادية أو الجرائم ترتكب أثناء الخدمة بوزارة العدل. ومكتب المدعي العام العسكري والمحاكم العسكرية جزء من السلطة القضائية، وتخضع لنفس المبادئ التي تنظم السلطة القضائية".

(غانا) - دستور١٩٩٢ وعُدِّل ١٩٩٦ - مادة ١٩
"يجوز للبرلمان، بموجب قانون صادر عن البرلمان، إنشاء محاكم عسكرية أو محاكم لمحاكمة الجرائم ضد القانون العسكري التي يرتكبها الأشخاص الخاضعين للقانون العسكري".

أمامك أمثلة لدول عربية وإسلامية وافريقية، تعمدت اختيارها على هذه الأُسس الثلاث كيّ ازيدك قناعة بأنها دول مثل مصر، وللعِلم كُلها مرّت -وبعضها لايزال- بتجارب خلل امني "حروب وثورات" أكثر مما نعيش نحن فيه الآن، ليست هذه الدول فقط التي نصّت على مادة المحاكمات العسكرية بهذا الشكل من ضمن الستين دولة التي قُلت ان دساتيرهم نصّت على مواد للمحاكمات العسكرية، فهناك دول أخرى من الشرق الأوسط مثل تركيا والكويت، ومن شرق آسيا كـ كوريا ومن أمريكا اللاتينية كالاكوادور وكولومبيا ومن اوروبا كايطاليا والمانيا وجورجيا.
ببساطة.. ترفض هذه الدول وغيرها محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية، لأنها لا تستوفي إجراءات معايير وحقوق إجراءات التقاضي السليمة، وهي غير مستوفية لمتطلبات استقلالية وحياد المحاكم، فالقاضي العسكري هو الخصم، ولن يكون حياديًا بين المدنيين والجهة التي يعمل بها عندما يفصل في دعوى تخُص الطرفين، سيتساهل ويغض النظر دومًا عن إدانة الجهة التي تعطيه الأجر والحصانة، وفي المقابل سيكون صارمًا وحادًا مع المخطئين في حقها أو بالأحرى المتهمين بأنهم مخطئين، اعتبارات الشفافية والنزاهة معدومة من الأساس، غير أنها -المحاكمات العسكرية- لا تُتيح حق الطعن الفعّال على الأحكام الصادرة عنها، فالطعن قد يُقبَل مع نهاية مدة المحكوم عليه، فاذا كان الحُكم 7 سنوات مثلًا فقد يتم قبوله بعد 5 سنوات، او لا يتم قبوله ابدًا.


- من حيث المضمون، فإن مادتيّ المحاكمات العسكرية اللتين كُتِبَتا في دستور 2012 أو المسودة النهائية للدستور بعد تعديله، لا يدلّان على شئ سوى دوام واستمرارية دولة قادة الجيش فوق الدولة بشعبها وكامل مؤسساتها، وتعزيز صلاحياتهم بمادة أخرى في التعديلات الاخيرة تنص على وجوب موافقة المجلس الاعلى على تعيين وزير الدفاع الجديد، وهو ماكنت أظن بسببه ان اثر المادة متوقف عند التعيين فقط ولا مانع للرئيس في عزل وزير الدفاع، لكن على مايبدو أن وراء النصوص الدستورية ألغاز لايفهمها إلا فقهاء القانون، فعندما سألت المستشار أحمد عطية ابو شوشة -قاضي بالنقض واحد مؤسسي تيار استقلال القضاء- قال: "وزارة الدفاع لايمكن ان تخلو ولو ساعة واحدة بدون وزير، فالتعيين لابُد أن يكون في وقت العزل، ولما كان قرار قبول الوزير الجديد في يد المجلس الاعلى للقوات المسلحة، فإنه لايمكن لرئيس الجمهورية عزل الوزير قبل موافقتهم على آخر يحل محله، فلو رفض المجلس اختيار الرئيس للوزير الجديد على طول الخط، يبقى الوزير في منصبه ولا يستطيع رئيس الجمهورية عزله او اقالته" لا أريد الاسترسال في هذا الأمر، فموضوعنا عن المحاكمات العسكرية للمدنيين فقط، لكن أردت ان اوضح لك السبب الذي يجعل الجيش دولة فوق الدولة وليس داخلها حتى.

نَصّت المادة (174) في شكلها الأخير..
"القضاء العسكري جهة قضائية مستقلة، يختص دون غيره بالفصل في كافة الجرائم المتعلقة بالقوات المسلحة وضباطها وأفرادها ومن في حكمهم، والجرائم المرتكبة من أفراد المخابرات العامة أثناء وبسبب الخدمة. ولا يجوز محاكمة مدني أمام القضاء العسكري الا في الجرائم التي تمثل اعتداء مباشراً علي ثكنات القوات المسلحة أو منشأتها العسكرية أو معسكراتها أو ما في حكمها ، أو المناطق العسكرية أو الحدودية المقررة كذلك أو معدتها أو مركباتها أو أسلحتها أو ذخائرها أو وثائقها أو أسرارها العسكرية أو أموالها العامة أو المصانع الحربية أو الجرائم المتعلقة بالتجنيد أو الجرائم التي تمثل اعتداء مباشراً علي ضباطها أو أفرادها بسبب تأدية أعمال وظائفهم وما يكلفون به من أعمال وطنية ويحدد القانون تلك الجرائم، ويبين اختصاصات القضاء العسكري.
وأعضاء القضاء العسكري مستقلون غير قابلين للعزل، وتكون لهم كافة الضمانات والحقوق والواجبات المقررة لأعضاء السلطة القضائية.فلغقف

"ومن في حكمهم" العائدة على ضباط وأفراد القوات المسلحة، تشمل طلبة الكليات والمعاهد الفنية العسكرية وطلبة المدارس الثانوية العسكرية وجميع المدنيين العاملين بمصانع وهيئات القوات المسلحة، هؤلاء جميعًا سيخضعون لمحاكمات عسكرية حال ارتكابهم جرائم في خارج نطاق عملهم او ضد مدنيين.
"الجرائم المرتكبة من أفراد المخابرات العامة أثناء وبسبب الخدمة"، حتى لو كان نوع الخدمة هذا مأمورية مراقبة وتعقب شخص في الخفاء وبزيّ تنكري، واشتبك مواطن مع فرد المخابرات هذا لأى سبب -وهو لايعلم انه مخابرات- سيُحاكم الاثنين امام محكمة عسكرية، وفي هذا ظلم بيّن للمدني حيث انه لم يرى الا مواطنًا عاديًا امامه، وفي هذا ايضًا حماية لفرد المخابرات لأنه يحاكم امام الجهة التي كلفته بتأدية المهمة ومسئولة عن سلامته.
"أو ما في حكمها" التي تبعت ثكنات ومنشئات ومعسكرات الجيش، تتضمن محطات وقود القوات المسلحة "وطنية"، ونوادي ظباط القوات المسلحة "المتاحة عضويتها للمدنيين"، وقاعات الحفلات والافراح المرفقة بها والمنفصلة عنها، ومصانع القوات المسلحة التي لا يُشترط ان تكون مصانع سلاح، فقد تكون مصانع مكرونة ومياه معدنية وسمن وزيت ومواد غذائية، ومنافذ البيع للمستهلك وغيرها من المشاريع الاستثمارية التي اقامها الجيش كأى رجل أعمال مدني. فاذا تشاجر مدني مع أحد العاملين في تلك الاماكن أو أحد المدنيين الغير عاملين وتصادف تواجده مثله، يُحال الجميع لمحاكمة عسكرية.
"أو المناطق العسكرية أو الحدودية" واضحة ولا تحتاج لأى تفسير.. سُكان المناطق المجاورة لمعسكرات الامن المركزي ومراكز التدريب علي سبيل المثال في المنصورة ودهشور، ولا يحتاج الأمر لان تكون بجوار منطقة عسكرية او امام مجند او عسكري لتخضع لمحاكمة عسكرية في المناطق الحدودية كمحافظات البحر الاحمر أو اسوان أو شمال وجنوب سيناء، التشاجُر فقط حتى لو مع شخص مدني يعرضك لمحاكمة عسكرية.

في تقريرها السنوي عما يتعلق بإنتهاكات حقوق الإنسان في مصر لعام 2012، قالت "هيومان رايتس ووتش" أن المحاكمات العسكرية للمدنيين قد بلغت ذروتها، فطبقًا لاحصائيات المنظمة انه قد تمّ محاكمة مايقرب من 12,000 شخص مدني أمام المحاكمات العسكرية في الفترة مابين فبراير وأغسطس 2012، أى أثناء حُكم المجلس العسكري، وأن من تمّت ادانتهم اكثر من 11.000 شخص بما فيهم الاحكام التي صدرت مع ايقاف التنفيذ، بنسبة مايقرب من 93% وحصل 795 فقط على البراءة، وهو مؤشر خطير، وبالمقارنة سنجد أن هذا العدد يفوق عدد من تمّت محاكمتهم خلال عهد مبارك "ثلاثون عامًا"، وحذرت المنظمة العالمية من خطر التمادي في هذا الأمر وأوصت بعدم محاكمة أى مدني الا أمام القضاء العادي، إلا أن الامر قوبِل من المجلس العسكري والمجلس القومي لحقوق الإنسان بتجاهل تام كعادة مؤسسات الدولة البيروقراطية العفنة، التي لاتسمع إلا صوت وصدى صوت أعضائها، وقتها كان تعليل المجلس العسكري على المحاكمات العسكرية هو انهيار الداخلية والقضاء -رغم ان من قامت الثورة ضدهم يتم ضبطهم واحضارهم عن طريق الشرطة بطريقة آدمية ويحاكمون امام النيابة العامة والقضاء المدني- وان ذلك سيكون لمرحلة انتقالية فقط وفي جرائم محددة مثل قطع الطرق والسرقة بالاكراه والاعتداء على افراد الشرطة والجيش..الخ، لكن كما رأينا سُخِّر هذا الاستثناء لمعاقبة شباب الثورة ومعارضي المجلس العسكري، حتى الآن.. لم تنتهي هذه الفترة، حتى في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي تم تقنين المادة ووضعها مجردة في ما اسموه بـ "افضل دستور في العالم" وتم الابقاء عليها في المسودة النهائية للدستور الحالي، بعد التوسُّع في تحديد من تشملهم المحاكمة بالمادة.

يقول اللواء مدحت غزى -قاضي عسكري-: إن من تم الحكم عليهم في قضايا عسكرية بعد ثورة 25 يناير حتى الان هم 1071 شخصًا فقط، ويتضح من ذلك كذب الرجل الذي من المفترض أن يتسم ويتميز بالعدل والشفافية، حيث ان الرقم الذي قاله يتضارب مع الارقام التي صدرت عن المنظمة العالمية لحقوق الانسان 
-راجِع الأرقام في فقرة سابقة- وعن الارقام التي صدرت في بيان المجلس العسكري وهى 11.879 كما جاء على لسان عادل مرسي -رئيس القضاء العسكري السابق- ، حيث انه ومن المعروف إن تغيّر الرقم بعد مضى أكثر من سنتين عليه سيكون بالموجب وليس النقصان، لاعتبار احتمالية ادانة اشخاص آخرين على مدار عام ونصف بين التصريحين.
نفس الشخص يقول: "المجند اللي شغال في بنزينة وطنية زيه زى المجند اللي قاعد ع الدبابة، اللي يعتدي ع الاتنين يحكام عسكريًا".

عزيزي مدحت.. بعد التحية، احيط علم سيادتكم ان تصريحك هذا كان يمكن ان يكون صحيح إذا افترضنا ان المجند سائق او راكب الدبابة شغال بها على خط (المنيب-الجيزة)، لكن كما هو معلوم أن الدبابة مركَبة عسكرية مصنوعة خصيصًا لاستيفاء غرض عسكري، فمن يعتدي عليها او على قائدها فهو متعمد ذلك لكونه غير مرتبط بها في تأدية خدمة او جلب النفع نظير عائد مادي، بينما هنا نتحدث عن محطة بنزين قائمة على خدمة المواطنين والعامة، وأنتم من فتحتوها لهم، وليست مقتصرة على تمويل مركبات الجيش بالوقود. عزيزي مدحت.. بصريح العبارة كدا، انا ايه اللي يخليني ادخُل محطة بنزين اذا حدثت مشادة كلامية بيني وبين آخر في الطابور او عامل بها -وهذا وارد ومحتمل ومكرر بشكل يومي في كل محطات البنزبن في مصر- اخضع لمحاكمة عسكرية، لما ممكن ادخل بنزينة كل المشاكل المحتمل وقوعها فيها هتتحل بالحُب والطبطبة و"معلش جات سليمة" و"كله يهون طالما في الصاج" وكل حى يروح لحاله.!!! 

يعني بالبلدي، الجيش اللي جايلي في المدنية يستثمر كرجُل أعمال، ومُستغلّ جنوده في تشغيل هذه المشاريع، وأتاح منتجات هذه المشاريع امام العامة،  مش هو خالص الجيش اللي واقف ع الحدود او امام مؤسسات عسكرية لما اروح اضربه في ارضه.

روابط تُجدر الاشارة إليها..

Egypt: Military Trials Usurp Justice System -
Deeper Militarism in Egypt -

مدحت غزي: اللي هيتخانق مع عامل في بنزينة وطنية هيتحاكم عسكريًا